٣-زواج بلا حب

442 11 0
                                    

لقد مر شهر، شهر كامل وأنا لا أفعل شيء غير الإنصات إليه... أو على الأقل أذناي تنصت له وعقلي في مكانٍ آخر.
كان عقلي يسافر إلى أماكن عدة مبتعدة تماماً عن التركيز فيما يقوله... كنت أغرق عميقاً في أفكاري، لا أعرف لماذا كان عقلي يختار عدم التركيز معه ولكني لم أعترض وتركت الأمور تجري كما هي، ولكن أكثر ما كان يثير إزعاجي في تلك الأفكار هو زيارة ذلك الوغد "حسام" لأفكاري كل مرة!!
لما لا يترك ذلك النذل عقلي ويرحل كما رحل بعد سبعة سنوات من الخطوبة؟!!
لا أعرف لما مازلت أفكر فيه وأتذكر ما عشناه طيلة السبعة سنوات الماضية ولكني لم أبحث عميقاً في أمره حتى لا أعطيه مساحة من عقلي أكثر مما يستحق.
ورغم ما راودني من أفكار وذكريات عنه لم أتوقف عن المضي قدماً في الخطوبة مع "حمزة" – خطيبي الجديد – والسير على الخطة كما قررت.
سأتزوج وأنجب أطفالاً منه وحينها سأحقق حلمي بأن أصبح أماً وبهذا سأثبت لحسام أني لست كبيرة في السن كما قال قبل هروبه!

...

تحدث حمزة، تحدث وتحدث وتحدث... وفي الحقيقة لقد بدأت أشعر بالملل من سماعه رغم أن أحاديثه لم تكن مملة أبداً ولكني أخبرتكم في السابق، أنا إنسانة عملية قد وضعت كل تركيزي على هدف معين لهذا لم أشعر بالاهتمام لأياً من أحاديثه.
حاولت أن أصبر قليلاً بعد حتى لا يظن أني مختلة ولكن في النهاية لم أستطع وسألته بطريقة مباشرة للغاية:
"متى سنتزوج؟"
قاطعت كلامه بما قلت، لا أريد أن أضيع ثانية أخرى من حياتي هباءً بدون تحقيق مبتغاي.
تجمد الرجل من سماع ما قلته وأخذ يحملق بي وأشك أنه كان يتنفس... لقد بدا كما لو كان تمثالاً من الشمع من متحف ماري توسو!
أنا أعرف لما تجمد بهذا الشكل فمعظم الثنائيات من خطوبات "الصالونات" يقضون سنة وأكثر ليتعرفوا على بعضهما ولكن في حالتي لا أحتاج إلى التعرف عليه حتى.
أتمنى أن يتقبل الأمر سريعاً ويتعامل معه ببساطة ليس كما فعلت عائلتي حينما سمعت أني سأقابله أول مرة، وأعتقد أني سأراهم بهذا الشكل مجدداً لو حدث ووافقني حمزة الرأي في الزواج السريع.

نحن كعائلة "إيهاب" لم نكن نحبذ الزواج السريع أيضاً وستكون رغبتي في الزواج بسرعة صدمة لهم وغير هذا كانت عائلتي تعرفني جيداً، لم أكن يوماً اعتباطية وكنت أدرس كل القرارات جيداً قبل تنفيذها ولكن انتهى ذلك العهد وبدأ عهد جديد...
اختفت فريدة التي استهلكت ما يقرب من العقد للزواج وحلت محلها فريدة أخرى.
لقد تغيرت ولا أتوقع أني سأعود كما كنت أبداً فالتخطيط لاثنا عشر سنة للحصول على مبتغاي لم يجدِ نفعاً ولا أريد الانتظار لحظة أخرى للقيام بأي شيء في حياتي لأنه صدق من قال أن الحياة قصيرة فاستغل كل لحظة بها!
ولكن أنا أشك أنكم مقتنعون بكلامي وأتوقع عما تتساءلون عنه الآن، هل سأتزوج شخصاً دون أن أعرفه جيداً؟!
دون أن أعرف شخصيته؟ أخلاقه؟! ماضيه؟!
نعم سأفعل، سأتزوج شخصاً دون معرفة أي شيء عنه!!
أنا لا أهتم لمعرفة أي شيء عن حمزة، لم أهتم ولن أهتم!
لا يهم أي شخصية سيكون عليها طالما سيعطيني ما أريده...
فمهما قضيت وقتاً معه وتحادثنا وضحكنا واستمتعت بمصاحبته لن أقع في حبه والسبب الوحيد الذي جعلني أختاره هو إنجاب طفل لا أكثر!
وإن كان سينتهي هذا الزواج في يوم من الأيام لن أعترض ولن أحزن ولن أغضب... يكفي أن ينتهي وبجواري طفلي الذي سأهب حياتي كلها من أجله...!!
ظهر شبح ابتسامة على شفتي حمزة وأخفض كلتا يديه ليمسك بالحاسوب اللوحي من حقيبته وأخرجه ليريني عدة صور.
"البارحة بحثت عن أماكن قاعات مختلفة يمكننا القيام بالعرس فيها."
يبدو أني لم أكن الوحيدة التي تفكر في العرس كما كنت أظن...
كانت تلك الصور لأماكن قاعات الأعراس التي قام باختيارها وهو يتحدث بنبرة حماسية... بدا كطفل صغير في محل ألعاب ينظر لكل لعبة على حدى ويقيمها جيداً لأن والدته أخبرته أنه لا يستطيع شراء أكثر من واحدة فقط!
"هذا المكان أعجبني كثيراً، رغم أنه باهظ الثمن ولكن ليكن... إنها ليلة وحيدة في العمر ويجب أن تكون مثالية."
رفعت رأسي لأحدق فيه وإذ بعقلي يتذكر بعض الأشياء التي قالها عن نفسه.
إنه أخ لثلاثة فتيات وهو أوسطهن، يبدو الأمر جنونياً فكأنما أمتلك أربعة حماوات ولكن ما يطمئن قلبي قليلاً هو ما قالته أخواته عنه، مثالي في التعامل مع الفتيات وسيقوم بتدليلي لأنه يعرف ما يناسب الفتيات وما يرغبن به.
في الحقيقة لم أهتم للأمر كثيراً ولكن إن كان الأمر يتعلق بتلبية طلباتي ستكون تلك ميزة أخرى ستجعلني أتقبله أكثر.
وشيء آخر شد انتباهي هو أنه مرتاح مادياً سواء من عمله أو من أسرته وهذا أراحني كثيراً جداً.
لقد كان أشبه بصندوق الحظ الذي فتحته بعد سبع سنوات من الأسر... فهل كان حسام هو ما يمنع الحظ عني يا ترى؟
لم أكن إنسانة مادية تبحث عن زوج غني كما قلت سابقاً ولكني ارتحت فمعه لن أنتظر سنوات لإنشاء بيت وإن كان بإمكاننا ربما سنقيم العرس الليلة أو غداً.
وأيضاً سيترعرع أطفالي تحت ظل رجل ميسور الحال ولن يعانوا الفقر والضيق.
"لا أهتم للمكان، لنختر أقلهم سعراً إن أردت."
وظهرت ابتسامته مجدداً، لابد أنه كان يشعر بالفخر لاختياره لي فأين سيجد عروس ترفض الأشياء الباهظة مثلي؟
كله من أجلك يا فريد... فريد هو اسم طفلي الذي لم يولد بعد. اخترت له اسم فريد حتى يكون فريداً من نوعه مثلي!
"أنت تخافين أن أسرف في صرف المال من الآن، أمي ستحبك أكثر فدائماً كانت تخبرني بأني مسرف ولا أعرف حدودي."
لم يكن هذا صحيحاً ولكني لم أعترض ورسمت ابتسامة بسيطة على شفتاي وأخفضت رأسي لأنظر إلى الصور.
"انظري، هذا المكان أعجبني أيضاً... يبدو خيالياً وسيكون الحجز ممتلأً لسنة."
سنة؟ هل سأنتظر سنة كاملة؟! قلت لنفسي أننا قد نتزوج الليلة بسبب غناه وهو يقول سنة؟!
قرنت حاجباي ورفعت رأسي لأنظر له مستغربة من كلامه "سنة؟ هل سننتظر كل ذلك؟!"
وبدا عليه العبوس كذلك، ولكنه لم يشاركني الاعتراض وقال:
"لم أرد أن أستعجل الأمور، وأخبرت نفسي أنه مهما انتظرنا لن يكون مهماً ففي النهاية كله لتدوين ذكرى جميلة في حياتنا."
ذكرى جميلة؟ عرسي أنا سيكون ذكرى جميلة لي؟ يا للسخرية!
وللحظة استعدت قليلاً من الوعي التي تركته جانباً منذ اتخاذي لقرار الزواج... أيقنت ما ضحيت به من أجل تحقيق هدفي.
أنا لست باردة القلب ولم يكن عقلي متحجر لا يفكر بماذا ضحيت وبالطبع أيضاً سأتأثر من الزواج من شخص لا أعرفه ولكن لكي أحقق غرضي دون تردد وخوف كنت أتجنب التفكير في أشياء عدة مثل فكرة العرس التي انتظرته منذ أن كنت في السادسة عشر من عمري...
حلم كل فتاة في ارتداء الفستان الأبيض والوقوف بجانب الشخص المنشود والرقص ببطء على أغاني هادئة ورومانسية... ذلك كان حلم كل فتاة... وكان حلمي أنا أيضاً!
ولكني لن أستطيع تحقيق ذلك الحلم، لن أستطيع أن أعيش ذلك الواقع... أغلقت قلبي ولن أفتحه مجدداً، لأي أحد!
ولكني سأحقق جزء من الحلم، سأنشئ عرساً، سأرتدي فستاناً أبيض، سأسدل الطرحة البيضاء فوق رأسي، سأمسك بباقة ورد في يدي وربما إن حالفني الحظ سأرميها لتلتقطها إحدى العازبات.
سأسير في الزفة وأرقص وأغني وأضحك...سأصنع ذكرى جميلة لأتذكر في المستقبل أني حققت جزءً من حلمي.
ولكن السؤال هل سيجعلني هذا سعيدة؟
هل سأشعر بنفس الشعور الذي ظننت أنه سينتابني حين أحقق حلمي؟
هل غايتي في الزواج وحلمي الذي عشت من أجله حين يتحقق سيجعلني سعيدة؟
إجابتي هي... لا.
لأني صدقت بأن لا يوجد سعادة من الزواج...
سواء تزوجت شخصاً أعرفه، لا أعرفه، أحبه، لا أحبه... النتيجة واحدة، لا سعادة مع رجل أبداً!
لهذا لم أهتم...
لم يهمني الزواج، لم يهمني الزفاف، لم يهمني أن يكون هناك رجل في حياتي لأني أعرف أني إن آمنت بزواج سعيد وسعدت بالزفاف سأعيش في جحيم خيبات الأمل لاحقاً...!!
هكذا أصبحت بعد تجربتي مع حسام... لقد أفقدني كل أمالي وقلبي الذي كان يحمل الحب وأصبح الآن معدوماً، قاسياً، غير مصدقاً للحب.
صدقت بأني لن أجد السعادة مع حمزة أو مع أي شخص آخر، وهذا ما أعرف أنه سيحدث... هذا ما أريده أن يحدث لأني لن أثق بأي رجل بعد الآن.
لن أكون كالفتيات الأخريات اللواتي تردن زوج وحياة مليئة بالحب والرومانسية المائعة فلقد أخذت كفايتي من الرجال ولن أفكر في إدخال رجل في حياتي ليدمرها مجدداً... لن أترك أي رجل يشاركني فرحي وحزني ومشاعري وسيكون مجرد "زواج بلا حب".
لأنه لا وجود للرجل المثالي الخاص بالمسلسلات والأفلام التي كنا نشاهدها أثناء مراهقتنا...
ولكن لن أنغلق ورغم كل مساوئ الرجال ومساوئ الرجال سأضحي بنفسي من أجل الحصول على طفل.
طفلي الذي سيجعلني أصبر على كل شيء...
طفلي الذي سيؤازرني في الحياة ويمحي آلامي ودموعي ويرسم البسمة على شفتاي...
طفلي الذي سيكون كل الدنيا لي، هو من سيمحي الماضي الموجع ويرسم مستقبلاً ملوناً...
طفلي فقط هو من سيخلق السعادة!
وفي المستقبل ماذا سيحدث؟
من الصعب العيش بلقب مطلقة في هذا العصر ومن الصعب أن يتربى طفل دون أحد والديه – لقد جربت ذلك الشعور وأستطيع أن أجزم بأنه شعور غاية في السوء... فسأتحمل الرجال بمساوئهم وأبقى زوجة حمزة حتى النهاية ولكني لن أجبر نفسي على البقاء برفقته إن كان سيئاً.
لن أصبح كبعض النساء التي ترضى العيش مع زوجها رغم عيوبه وسوئه، فإن كان حمزة شخصاً يستحق أن أقضي حياتي معه سأفعل ذلك ولكن إن كان وغداً كغيره لن أنتظر وأصدق ذاك الكلام الفارغ بأنه سيتغير مستقبلاً وسأتطلق من ثاني يوم!
أخذت نفساً عميقاً وأخبرته بنبرة عادية وأنا أنظر في عيونه:
"أليس كل زفاف هو حفل يجتمع الناس فيه ليرقصون ويفرحون؟ إذاً فلما ننتظر سنة كاملة لحضور حفل يمكننا أن نحضره الشهر القادم؟"
صدمته بكلامي ورغم أني لم أتوقع الكثير منه ولكن لسببٍ ما خالفني الرأي و... زاد إعجابه بي؟
فابتسم، ابتسامة خجولة... ماذا؟!
"أنتِ مختلفة كثيراً عن كل الفتيات التي أعرفهن، قال العديد أن كل الفتيات متشابهات في رغبتهن بصنع الزفاف المثالي الذي سيحكي الناس عنه لسنوات... ولكنك مختلفة."
رفعت ناظري لأنظر له ورغم أني رغبت كثيراً أن أخبره بالحقيقة في تلك اللحظة ولكني أوقفت نفسي قبل أن لا أخرب كل ما قمت بفعله حتى هذه اللحظة وأعود لنقطة الصفر مجدداً.
"بالنسبة لي... لا أريد زفافاً مثالياً وفرحتي هي... أن أكون معك فقط."
ولأول مرة منذ أن خطبت لحمزة شعرت بحرارة تسري في عروقي حتى وصلت إلى وجهي فأصبح ككرة ملتهبة وأراهن أني أبدو كالطماطم أمامه الآن!
كان هذا غريب حقاً... ذلك الرجل كان يستطيع أن يقول كلاماً كهذا؟! كلاماً يجعل الوجه يشتعل ناراً بهذا الشكل الرهيب؟!
ظننته بارد ولا ينطق بأي كلام رومانسي فرغم أني أشرد كثيراً ولا أستمع لمعظم كلامه إلا أنني لا أذكر أني سمعته يقول لي أي كلمة كهذه منذ تمت الخطبة ولم أعرف السبب وراء ذلك ولكن أظن أني أعرف السبب الآن.
كان ينظر بنظرة خجلة في عينيه بعدما نطق بذاك الكلام وكان هذا يدل على أنه لم يعتد قول تلك الأشياء... أظن أني أول فتاة في حياته؟
في سنه هذا؟!!

زواج بلا حب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن