١٠-قرار

138 6 0
                                    

خط أحمر واحد...
حل بي شعور الإحباط والحزن والأسى مرة أخرى، لثالث مرة... لم أحمل بطفل لثالث مرة...!
لن أحمل طفلي على ذراعاي بعد تسعة أشهر، لن أسمع صوته، لن أتحسس بشرته الناعمة، لن أحتضه وأشم رائحته، لن أفعل...!!
لن أرزق بطفل!!
كان هذا مؤلماً جداً، مؤلماً بقدر الإحباط، مؤلماً بقدر الحرمان... مؤلماً بحق...!!
وكان مخيفاً... ثلاثة أشهر دون حمل، كان أمراً مخيفاً، على الأقل بالنسبة لامرأة تسابق الزمن.
كنت أخاف المستقبل... فراحت تتردد كلمات "حسام" في رأسي.
"أصبحتِ كبيرة وأنا أريد أن أتزوج فتاة صغيرة تحمل وتنجب أطفالاً."
لم يكن علي أن أفكر في كلماته، لم يكن عليها أن تشغل حيزاً من عقلي... أنا مقتنعة أني لازلت صغيرة وأستطيع أن أحمل وأنجب أطفالاً، إذاً فلماذا كانت كلماته تشغل تفكيري؟!
كان علي أن أتجاهله، أطرده من رأسي، أبعده عن تفكيري... ولكني لم أستطع أن أفعل، فتفشى الخوف صدري وبدد كل أمالي وغطاني الشك. وغرقت في كلماته الجارحة... ورأيتها منطقية.
أنا لست صغيرة، ليست لدي رفاهية الانتظار... إن كانت لدي مشكلة فعلي أن أحلها مبكراً قبل أن يكون أمر الإنجاب أكثر صعوبة.
علي أن أكشف عند طبيب مختص قبل فوات الأوان!
وكل ما علي فعله الآن هو أن أخبر حمزة بهذا الأمر... ولكن هل سيتفهمني؟
سمعت صوت المفتاح في الباب فرفعت رأسي لأنظر إليه وإذ بي أرى حمزة يدخل منه يرسم على شفتيه ابتسامته المعتادة. أغلق الباب من خلفه وبدأ يسير باتجاهي وهو يحمل في كلتا يديه أشياءً وضعها على الطاولة بشرود حين رأى اختبار الحمل عليها، فخجلت وندمت أني لم أخفيه قبل رؤيته له.
"اختبار حمل؟ هل أنتِ...؟"
رفعت يدي لأحك مؤخرة رأسي خجلاً ثم هززت رأسي بأسف وقلت بصوتٍ خافت:
"ليس بعد..."
زاره الإحباط كما زارني ولكنه سرعان ما تغلب عليه ورفع يديه ليمسك بيدي ويجذبني للنظر نحوه، فنظرت له لأرى ابتسامة لطيفة على شفتيه يخبرني بعدها:
"لا عليكِ، إنه ثالث شهر فقط..."
حين سمعت تلك الكلمات لم أستطع أن أتحدث معه عن القرار الذي أخذته ونظرت له بتردد وأنا أبقي ذلك البركان من الأفكار والمشاعر بداخلي، وحتى لا يعرف ما يحدث معي حاولت أن أشتت تفكيره عن الأمر وحركت رأسي نحو الطاولة وسألته:
"ماذا أحضرت معك؟"
ارتسمت ابتسامة أخرى على شفتيه ثم أمسك بالكيس بيد واليد الأخرى أمسك بباقة من الزهور وعاد ليقدمهما لي.
"هذا لكِ، وهذا لكِ أيضاً."
"زهور؟ بسبوسة؟"
"لقد أحضرتهما لأنكِ تحبينهما."
ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيّ ومددت يدي لأمسك منه كلا الباقة والبسبوسة ونهضت بكل سرور وأنا أقول: "سأحضر صحنين من المطبخ!"

...

مر يومان وأنا أنتظر الفرصة المناسبة للتحدث معه في ذاك الأمر ولكن في كل مرة أنوي البوح بما في جعبتي أتردد ولا أقول شيئاً...
أنا أعترف أن الأمر غير منطقي، فمن تلك التي تطلب شيئاً كهذا من زوجها بعد ثالث شهر لهما في الزواج؟
ولكنني فريدة المجنونة التي وافقت على الزواج بشخصٍ لا تعرفه فور رؤيتها له، لم أعزف عن الأمر ولن أفعل، لن أستسلم وقررت أن أخبره بالأمر حتى لو كان غير منطقياً أو ممنوعاً.
"حمزة..."
كان حمزة يجلس أمام التلفاز ويشاهد قناة الرياضة الخاصة بالألعاب الألومبية والتي كان مهتماً بها في الفترة الأخيرة ولكن لم أرَ منها أي فائدة، فمن ذلك الغبي الذي يتعب نفسه طيلة حياته ليقفز من فوق عمود ويقع ليكسر ظهره؟
جلست بجواره على الأريكة أبادل ناظري معه ومع التلفاز الذي لم يزح عينيه عنه حتى بعدما ناديته فاغتظت وأمسكت بجهاز التحكم لأغلقه باندفاع حتى أجذب تركيزه نحوي وقبل أن يغضب ويوبخني لفعلتي فاجأته بقولي:
"أنا أريد أن أنجب طفلاً يا حمزة..."
لم أتلقَ منه سوى الصمت لحظتها، كان مصدوماً وقد قطعت الكلمات من على لسانه، أوقن صدمته وأقدرها فنحن لم نتحدث بهذا الأمر ولو لمرة منذ زواجنا.
ولكن لم أسمح لصدمته بأن تشتتني وتجعلني أتردد، فأكملت قائلة: "لقد قمت باختبار حمل في الثلاث أشهر الماضية ولم ينجح الأمر في كل مرة، ألا تظن أن علينا الذهاب إلى طبيب مختص للكشف؟"
اختفت نظرته المصدومة من على وجهه وتحولت إلى نظرة متوترة مترددة، تلقيت منه الصمت لدقيقة ليتبعها بسؤال مندهش يقول:
"كشف؟ ألا تظنين أن الأمر مبكر جداً لذلك؟"
وضعت ابتسامة بسيطة على شفتيّ وقلت وأنا أحاول ألا أظهر توتري:
"إننا زوجان من ثلاثة أشهر، ليس غريباً أن نفكر في إنجاب الأطفال يا حمزة."
صمت للحظة ثم قلت بنبرة مترددة:
"أم أنك... لا ترغب في الإنجاب مني؟"
حينها تلقيت منه نظرة مصدومة أخرى ليتبعها إمساكه بيدي بقوة حتى يزيل تلك الفكرة من رأسي.
"بالطبع أود ذلك ولكن كل ما في الأمر هو أني أراه مبكراً للغاية يا فريدة!"
صمت للحظة ثم أكمل كلامه ليشرح ما يعنيه:
"لم أعترض يوماً على إنجاب طفل بالعكس أرغب بأن أكون أباً بشدة، ولكني أود أيضاً أن نشبع من بعضنا البعض في البداية، أرغب بأن تتوطد علاقتنا أكثر، أخاف أن يأتينا طفل ولسنا مستعدين لاستقباله فنؤذيه ونؤذي أنفسنا معه. الاطمئنان واجب ولكنه من المبكر أن نفكر في شيء كهذا الآن..."
حين سمعت كلماته تذكرت عهدي لنفسي وكل ما أقسمت به حتى هذه اللحظة فرُبط لساني وأنا أنظر في عينيه التي ترغب في بناء حياة طويلة. كانت تجذبني بقوة ولكن كان هذا مؤلماً، كان قلبي يرغب في أن يسير معه بعينين مغمضتان ولكن عقلي يأبى الإنصات له... فأنا لم أخطط لحياة طويلة، ربما كنت أخدع نفسي بأني ربما أرغب بها ولكني لا أستطيع أن أشتت تفكيري عن هدفي الأساسي، لا يمكنني التفكير في حياة طويلة قبل أن أحقق منالي!
فصحت: "ماذا تريد أن نفعل؟! ننتظر سنة وأكثر وبعد ذلك نوقن أن لدينا مشكلة ولا نستطيع حلها؟! هل أنتظر حتى يمر بي العمر ولا أستطيع الإنجاب؟!"
"يمر العمر بك؟! أنتِ مازلتِ في العشرينات من عمرك، ماذا تقولين؟!"
لاحظ حمزة توتري وخوفي وعوضاً عن خلق شجار من كلماتٍ عارضته في منطقه أمسك بيدي وحاول تهدئتي وهو يربط على رأسي ويقول:
"فريدة... لا تقلقي وتخافي مما قد يحدث في المستقبل... ركزي النظر علينا وعلى هذه الأيام الجميلة التي نعيشها معاً يا فريدة."
كنت أرغب بذلك ولكن لا... مازلت لا أستطيع أن أثق، لا أستطيع...!
سحبت يدي بعيداً وقلت بصوت مختنق:
"لا أستطيع أن أكون مرتاحة مثلك... أريد أن أضمن أني حللت كل مشاكل اليوم ولا أتركها للغد..."
ثم تركته ورحلت...

زواج بلا حب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن