نُبذة

1.2K 37 6
                                    

‎‎‎‎‎‎ ‎ ‎   ‎ 
‎‎‎‎‎‎ ‎ ‎   ‎ 
الناسُ يحبونَ أن يطلقوا على هذا العالم غابةٌ ملموسة ؛ يحبونَ استخدامَ هذهِ العبارة لإصدارِ أحكامهم على الآخرينَ بشكلٍ غير مُباشر لكونهم يعلمونَ عينَ اليقينِ بأنّهم جميعاً مُخطئون بكافةِ الأحوال، العبارةُ لا تحملُ أيّ معنى عدا عنْ أنّ الناسَ يملكونَ هذا الفراغ السَخيف في رؤوسهم والذي يهربُ من أفواههم على شكلِ تنهيدة.

ليسَ لديهم شيءٌ لقولهِ لكنّهم يمتلكونَ هذهِ الحاجة التي لا مَفرَ منها لسماعِ صوتِهم الخاص.

يُسمونَ عالَمهم بالعالمِ الذي يسيرُ بخطىً سريعة ومُبتكرة، حتى عندما يخترعونَ طرقاً جديدة لإضاعةِ الوقت المُخصصِ لهم لكونِهم غيرُ مخليصنَ ومولعينَ بالتَدمير ؛ يقولونَ هذهِ الأشياء كما لو أنّها إنجازات، كما لو أنّهم مَعنيونَ بهذا، في الوقتِ الذي جلسَ فيهِ أجدادهم وشاهدوا تحولَ العالمَ من خِلال عدساتهم التي ما هي إلا قيعانِ أكوابِ البيرة خاصتَهم.

أنّهم يجعلوني أشعرُ بالإشمئزاز والمَرض.

العالم ليسَ أيًّ من هذهِ الأشياء، العالمُ هو ذاتهُ كما كانَ دائماً لأنّه من نكونُ نحن لنقولَ أنّنا غيرناه؟

نحنُ نركزُ على ذواتنا فقط، نعتقد أنّنا من خَلق وابتدع حياتنا الخَاصة بينما نحنُ من دَمرها؛ كطفلٍ قامَ بالطرقِ على بُرج من الكُتل.

العالمُ ما هو إلا هذهِ الأشياء، و أنا أكرههُ.

انّهُ صاخب و قَذر للغاية، بحيثُ إذا ما كانتْ الأنهار هي العُروق و باطنُ الأرضِ هو القَلب فلا بدّ أنّ تّتسمم.

ليسَ وكأنّني أريدُ أن أموت، لا الأمرُ ليسَ كذلك، أقولُ ذلكَ لطبيبي، لأمي وللجَميع لكنّهم لا يستمعون؛ لأنّهم ينصتونَ فقط لأنفسِهم، يسمعونَ ما يريدون فحسب، حيثُ أنّ اصراري وتأكيدي على أنّني بخير ليست من ضمنِ الأمور التي يرغبونَ في سماعها.

يريدونَ فقط سماعَ أنني دائماً على بعدِ خطوةٍ واحدة شُجاعة فوقَ حافةِ السطح، أنني أرتجفُ في مكانٍ ما بعيد بينما أحملُ بينَ يدي زُجاجةً مليئة بالحُبوب، لا يريدونَ سماعَ أنّني أكرهُ هذا العَالم وأكرههم، لأنّهم لا يَفهمون.

مُلاحظاتهم السَخيفة، حُليّهم الرخيصة، رؤوسهم الفارغة عدا منْ الأفكار التي تتمحورُ حولَ المال ولاشيء غيرهُ، نسجتْ العناكبُ شباكها بينَ أصابعهم، وهذا هو السببُ الذي يجعلني أشمئزُ منهم، ألا يرونَ أنّهم يحملونَ توابيت بينَ أيديهم؟

أصواتهم مُرتفعة بينما يصارعونَ لأجلِ تشكيلِ الكلمات وطرحِ الأسئلة عليّ، اسئلةٌ سوفَ تحصلُ على الإجابات التي يريدونَ سماعها فقط، أنا مشغولٌ جداً في محاولةٍ للعثورِ على أعينهم أسفلَ الأقمشة الشفافة، على الرغمِ من أنّه لا يُمكنني سماعُها.

كلانا صُمّن تماماً، أنا والناس، أنا وهذهِ الغابةُ الملموسة.

استيقظُ كُلّ صباحٍ واسألها اذا ما كانتْ راضية، لكنّها لا تُجيب إلا أنّني اواصلُ الحديث فالصمتُ الساكنْ أكثرُ إحباطاً من الصمت المُزعج.

"أينَ هي سجادةُ الترحيب خاصتكِ؟" سألتُها في تمامِ الساعةِ العاشرةِ صباحاً "أينَ خطى الجميعُ كي يدخلوا حيواتهم؟ ما مقدارُ قذارة هذهِ الحياة؟"

واستمرُ بمواصلةِ الحديث إلى أن أشعرَ بصوتي يصبحُ أجشاً بحق، أنا لستُ مفهوماً لأيّ شخصٍ تماماً  كالطيورُ في أحدِ صباحاتِ فصل الصيف.

وأنا بخَير.

أنا فَنان لكن ليسَ لأنّني أريدُ الهربَ من شيءٍ ما، أنا فنانِ لأنّني استطيعُ أن أرى وجميعُ من حولي مُصابونَ بالعمى، استطيعُ أنْ أرى لكنني أكرهُ رؤيتهم.

ارسمُ العالمَ كما يَنبغي؛ أرسمهُ ضبابي ومُفصل بِحدة، أرسمُ الناس كما هُم؛ أرسُمهم كَكتلٍ تجريدية، مُظلمة وذائبة، والأشخاصُ الذينَ أرسمهم يشترونَ هذهِ المَرايا لكنّهم ما إن يفعلوا حتى يبدأونَ بالصراخِ بسببِ ذلكَ الطلاء الذي يُلطخ اللوحة وأبتسمُ لكونهم أغبياء.

أنا غبيٌ أيضاً.

عقلي عبارةٌ عن آلةٍ بأسلاكٍ شائكة وعيني لا تستطيعانِ رؤية الحقيقة الصحيحة، في حينِ أنّهما تستطيعانَ رؤية كُل شيء؛ الشارع الصَلب، الناس العاديين والمَباني الشاهقة، تريانِ الخطوط الواضحة، الوجوه الضبابية والسماء المَفتوحة على مصراعيها والتي تُهدد بإلصاقنا جميعًا بالأرض، لكننا نعتبرهُ أمرٌ مفروغ منهُ لأنّنا نؤمن بأنّ هناك فضاءٌ واسعٌ بيننا ونحنُ مُعلقون في هذا الفَضاء.

نحنُ السببَ في أنّ السماء مُرتفعة للغاية ونحنُ السببَ في كونِ الهواء مُنعزل.

لذلكَ أرسُم في الليلِ، وخلال النهار أقومُ بثني أطرافي داخلَ الصندوق الذي يحتوي على دفترِ حساباتي المَالية، طويتها حتى تأخذ الحجمَ الصحيح وآمل أن لا يُلاحظَ زبائني كيفَ يتأرجحُ رأسي من رقبتي ككرةِ الشاطئ المنفوخةِ بشكلٍ مبالغٍ فيه.

عزيزتي الغابةُ المَلموسة، هل تَشعرينَ بالإشمئزازِ من سُكانكِ كما أفعلُ أنا؟

‎‎‎‎‎‎ ‎ ‎   ‎ 
‎‎‎‎‎‎ ‎ ‎   ‎ 

شيءٌ ما تَحت المطر - جونقتشُولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن