الثالث

372 22 23
                                    


-

كنتُ أسيرٌ بإتجاهِ عامةِ الناسِ بخطى سريعةٍ كما لو أنّني أقوم بتمارينٍ للقدمين أثناء بَحثي عن السماء، السماءُ الزرقاء كانتْ دائماً في مُستوى نَظري لكنْ تلكَ السماء لا وهذا يدفعني للجُنون.

فجأةً أصبحَ الطعامُ مُكدساً في ثلاجتي، عقلي مليء بملياراتِ السيناريوهاتِ والمؤامرات، لا شيء يجري في عُروقي عدا القَهوة، و السماءُ ليستْ موجودة في أيّ مكان.

تحتَ الشمس المُشرقة والزاهية أبدأُ في القَلق، ماذا لو غادر؟ يميلُ الناس إلى القيامِ بذلكَ، يعتقدونَ أنّ العالمَ مُلكاً لهم؛ زهرةٌ تتفتحُ فقط من أجلِهم.

هُم يغادرون، يشعرونَ بالملل، يشعرونَ بعدمِ الرضى، شخصٌ ما يحبونهُ يَرحل، فيحذونَ حذوهُ.

البشرُ متقلبونَ مثلَ الريح، وأنا أكرهُ ذلك، أنا أكرهُ ذلكَ لكوننا نعتقدُ أنّنا بذلكَ نصبحُ أشخاصاً غيرُ متوقعين ولا يُمكن التنبؤ بتصرفاتنا، لكنّ الأمر هو أنّ تلكَ السمة بحد ذاتها يُمكن توقعها.

هناكَ فقط الكثيرُ من الأشياءِ لنقومَ بها، حُب شخصٍ آخر، العيشُ في مكانٍ آخر، فعلُ شيءٍ آخر، و ذلكَ الشيءُ الآخر ليسَ واسعَ المدى كما نَعتقد.

أحبُ الرسمَ لأنّ الشيء الآخر يصبحُ واسعاً بلا نهاية تماماً كما نتوقعُ منهُ، سَواء كانَ الطِلاء أو الطَريقةِ التي يَجفُ بها على اللوحة أو الصورةِ التي يقومُ بإنشائها، هُناكَ مليونُ خيارٍ مُختلف بحيثُ أنها تجعلُ رأسي يدور كطفلٍ يلعبُ داخلَ دوامةِ الأحصنة، يدور كما لو أنّني قمتُ بالشربِ حتى الثمالة.

الشمسُ تملأ رأسي حتى شعرتُ أنني مَغمورٌ كلياً وأصبحتُ ثنائي الأبعاد، أرى نفسي من خارجَ جسدي وعندما أدير جانبي، أختفي.

ثُمّ أخيراً يصبحُ العالم هادئ و مُظلم مرةً أخرى، استيقظتُ على سماءٍ رمادية ثمينة، قريبة جداً لدرجةِ أنني حاولتُ لمسها.

يُمكنني عملياً تذوقُ السُحب، بينما أتجرعُ القهوة وأنظرُ لشجرةِ الويستريا المُتدلية، سلامٌ ضبابي أعشقهُ وأرغبُ في إلتقاطهِ و الإحتفاظِ به، لكن عدمُ قدرتي على فعلِ ذلكَ هو ما يجعلهُ لطيفاً للغايةِ، حسبَ ما أعتَقد.

انّه يومٌ بطيء في الاستديو؛ يومُ الخميس، لذلكَ قمتُ بتشغيل الةٍ موسيقية رقيقة ممزوجةٍ بالدقاتِ الإلكترونية الهادئة؛ مزيجٌ من 'في الحُب مع شَبح' و لودوفيکو اناودي.

عندَ الظهيرة تقريباً، تفتحُ السماء مرةً أخرى بهذا الشعور المُجدد؛ يسقطُ المطر للأسفل ويدور العالمُ ببطءٍ شديد و يكادُ يتوقف لأشعرَ بهِ أسفل قدمي.

شيءٌ ما تَحت المطر - جونقتشُولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن