“عندما أردت أن أحتضن أحد دون أن أتكلم أكتشفت أنني وحيد. تبدد الضباب رأيتُ كل شيء كما هو، ليس لدي أصدقاء هنا، لا أدري لماذا تأخذ الدنيا أحبابنا لأراضي بعيدة. عندما أردت أن أحتضن أحدا أدركت بأن أصدقائي في المكتب ليسوا أصدقائي، أنه ليس لدي أصدقاء بل زملاء عمل، أنني أمتلك شريك في السكن نتقاسم أنا وإياه الفواتير وليس الهموم. أحسست بمن أخرجوه من دائرته الدافئة ليزجوا به في الصقيع. بقيت أياما أحاول أن أفهم مايعنيه كل هذا، مشيت وحيدا، ذهبت لمقاهي كثيرة. كنت أبتعد عن كل الأماكن المزدحمة لكي لا تشتمني وكانت تشمني أماكن الوحيدين كقط وكانت تأنس بي. للوحيدين رائحة لا يخطأها الليل وللوحيدين هالة تعرفها الملائكة، لا شيء تكتبه دام أن العالم يحدث في رؤوسهم لا تدري وهو جالس لوحده هل يبكي! يفكر! يتذكر! يتألم! يطلب المساعدة!. لا شيء ظاهر يجلس منكمشا لا تخلو يده من أحد هذه الأشياء، كتاب، سماعة، هاتف، مفتاح، وفي أقصى حالات التشتت الذي يمر به يمسك بأكمامه الطويلة التي يدس بها القلق. الوحيد لا يملك الكثير، تقول الملائكة، الوحيد لا شيء يقول الناس، الوحيد غاضب ومتأجج مثلي تقول النار، والوحيد لم يجد أي أحد ليقول له لا ليل لأضيئه ولا مزابل لأحرقها، الليل ليل والمزبلة مزبلة، لذلك استحقها استحق كل هذه الفوضى والألم. لقد أضاء ليال دون إرادة منه، لقد تستر على وحوش بحرق آثارهم، لقد نجى عديدون ببرائته، لقد نام كثيرون من صدقه. وظل هو وحده يسعل من الدخان. لم يصدقه أحد حتى الرماد. أنا في أقصى حالات التشتت، لا تقولوا لي إقرأ، هذه الكتب لم أعد أثق بها ولا تقولوا لي شيئا أيضا، أنا لا أصدق مشاعركم. كنت أعاهد بالكلمة وبالشعور في السابق، لم أكن أعول على أي شيء آخر، كان يكفي أن تنظروا إلي وأتفهمكم، كنت أرى في كل أحد دواخله. كان هناك عالم بأكمله مصقول بدموع الطفولة، كان نظيفا وشفافا ووديعا ماكان فيه سوى البياض والأمنيات. وحيد من كتبي، من أصدقائي، ومن نفسي. مخلوع من ذكرياتي، من برائتي، ومن طفولتي. منزوع من دفأ في الروح كان يضمني عندما أرجع إلى روحي، والعالم بأكمله قد سقط فوق رأسي. لا أحد يستطيع أن يخرجني من كل تلك الأوهام والأحلام والتوقعات والخيبة. لا أحد يعرف الأوهام التي قصصتها عليّ لأكمل طريقي، لا أحد يفهم الأحلام التي أستراحت في رأسي، لا أحد يعرف كل التوقعات حتى السخيفة منها كيف نالت مني ولا الخيبة. الخيبة التي تنام وتصحو وتذهب وترجع دون أن تغادرك، التي تتحول في كل مرة في النوم إلى كوابيس، في الصحو إلى مرارة، في الذهاب إلى ارتباك وفي العودة إلى بكاء.”
