الفصل السّابع

158 13 17
                                    

عاد محمّد إلى الغرفة مع صينيّةٍ مملوئةٍ بما يدلّ على كرم أهل هذه الدّار المباركة. بعد أن جلس، تناولنا بعض الحلوايات ونحن نتحدّث في مواضيع عامّة. لم أحبّ أن أسئله متى سأبدأ العمل معهم أو كيف سأنخرط، لكنّي انتظرت ذلك منه، ولم
يخيّب ظنّي.

قال بعد أن ثنى ظهره واقترب منّي:

- لنعد إلى موضوعنا الأساسيّ، ستبيت عندي الليلة، وغداً صباحاً بإذن الله سنذهب لنقابل الحاج سلمان لنرى ماذا سيقرّر بالنسبة لأمرك.

فهززت برأسي موافقاً وسألت:

- ولكن من يكون الحاج سلمان.

- لا تستعجل، غداً ستعرف.

ساد الصمت لحظاتٍ قبل أن أكمل الحديث:

- محمّد... عندي سؤال لك، أتمنّى أن تفيدني بإجابتك.

فقال بعد أن ابتسم:

- إسأل ما يحلو لك.

- هناك الكثير من الطلّاب في كلّية الطّب يشكون دائماً من صعوبة الدراسة والوقت الّتي تستهلكه هذه الكليّة من حياة الطّالب، وآخرون يتركون الكليّة بسبب رسوبهم، ويقلون أنّ النّجاح فيها شبه مستحيل... وهذه الشّريحة من الطّلاب لا تعمل لكسب المال ولا تفعل أيّ شيء غير الدّراسة، وهم متفرّغين لعلمهم... وسؤالي هو كيف قدرت أن تنسّق بين تحصيل علمك والمشاركة الدّائمة مع حركات المقاومة في معظم نشاطاتها، والأغرب أنّك ناجحٌ في كِلا العملين حسب ما استنتجت من حديثك، فكيف تنظّم وقتك؟ أطنّ أنّه حتى مع تنظيم الوقت فإنّ هذا من الصّعب جدّاً تحقيقه.

نظر إليّ بجديّةٍ وقال:

- من يتعلّم ويشقى في تحصيل علمه كطلّاب الجامعات أو غيرهم، لهدفٍ دنيويٍّ ماديّ، كأن يأخذ شهادةً ليتوظف بها، أو يتخرّج ليعمل ويكسب المال لذاته، من يكون هذا هدفه الأساسي فبالطبع سيجد كلّ هذا الشّقاء في طريقه. أمّا من كان علمه وعمله في سبيل الله، يتلذّذ بالتّعب ويحبّه... فلأجل ذلك نذرت علمي من أوّل أيّام دراستي الجامعيّة لله، فقررت أن أتعلّم الطّب لا لأكسب المال بعد تخرجي فحسب، بل كان ذلك هدفٌ ثانويّ، وكان هدفي الأساسيّ هو مساعدة المقاومة في عمليّة إسعاف الجرحى وإنقاذهم. فعلمي وعملي مع المقاومة ناجحين لأنّهما في سبيل الله، فالله قد أمسك بيدي في كِلا العملين، وبفضله نجحت بكليهما.

كان جاوبه كالصّاعقة ... فلقد أبهرني بأفكاره ومعتقداته الصّحيحة، وتحسّرت على نفسي كيف أن مثل تلك الأفكار قد فاتتني لإنخراطي المفرط السّابق بالماديّات. لقد جعلني أعيد التّفكير في كلّ أعمالي، وجعلني أوسع منظار رؤيتي للأمور لأبعد من المادّة فقط.

لم أعلم قطّ أنّ المجاهدين مباركين ومهديين إلى هذه الدّرجة.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 30, 2015 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

فلسطين حلميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن