الفصل الثّاني

254 14 1
                                    

في اليوم التّالي، استيقظت باكراً وذهبت إلى الجامعة، حيث أجريت امتحاني وعدت سريعاً إلى المنزل لأطمئنّ على وضع أبي.

     دخلت لأرى أبي وأمي يتشاجران، وأصواتهما تشتدّ علوّاً. بقيت أستمع إلى نقاشهما المحتدّ، وما فهمته هو أنّ والدي يريد أن يبيع المنزل ليعيد افتتاح المنجر، ونسكن في منزلٍ بالإيجار إلى حين قدرته على شراء منزل جديد، أمّا والدتي فكانت ضدّ الفكرة بشكلٍ كلّيّ.

     كان جوّ المنزل قبل هذه الحادثة وديٌّ وهادئ. لم يسبق أن تشاجرا بهذا الشّكل من قبل. هل يعقل أن تُمحى المودّة بسبب المادّة؟ كانت كلّ هذه الأفكار تجول في خاطري حين سمعت والدي يصرخ: "لن يخرجنا من هذه المصيبة إلّا المستحيل".

     كان أبي قد تعب من الصّراخ وألقى بنفسه منهمكاً على الكنبة حين دقّ الباب، فقمت وفتحته. كان رجلاً ذو قامة طويلة يرتدي بدلتاً رسميّةً. قال لي:

-         مرحباً، هنا منزل قاسم أم أنا مخطئ؟

-          أهلاً وسهلا بك، لحظة لأناديه.

ناديت والدي، فقام وأدخل الرّجل وطلب منّي أن أنصرف إلى غرفتي.

   رحت واستلقيت على السّرير، ومن شدّة التّعب والسّهر الّذي واجهته أثناء الامتحانات نمت، واستيقظت على صوت إغلاق الباب. كان أبي قد أنهى جلسته مع ذلك الرّجل الغريب، والعجيب أنّ ملامح وجه أبي قد تغيّرت بالكامل، فلا شكّ أنّ ذلك الرّجل بشّره بخبرٍ ما. حقّاً شعرت بالسّعادة عندما رأيت وجهه يعبّر عن الرّضا والانفراج. سألته بلهفة:

-         ما كان يريد ذلك الرّجل؟

-         لا شيء مهم حبيبي... لا شيء مهم.

نظرت إليه مع ابتسامة سخرية وقلت:

-         هيّا تكلّم.

فضحك وقال:

-         اذهب ونادي أمّك.

ذهبت وأمسكت بيدها وعدت أنا وهي إلى والدي. قالت أمّي:

-         وجهك يوحي بالخير، هيّا بشّرنا.

فقال بعد أن جلس:

-         أتى أحد مندوبي شركة استثمار، قد علم بما حصل بمنجري. عرض عليّ شراء هذا المنزل والمنجر معاً بمبلغٍ لا يصدّق.

نظرت إليه أمّي باستغراب وقالت له:

-         وأين نسكن نحن بعد هذا؟

-         لا أمان في هذا البلد، جيوش العدوّ تهدّد حياتانا دائماً، لا أريد أن أكمل حياتي هنا. أصوات القصف والغارات والرّصاص مسموعٌ على مدار السّاعة.

-         ماذا تقصد بهذا الكلام؟

-         أقصد أنّنا سنهاجر من فلسطين.

بدأت نبضات قلبي تتسارع، ولم أقدر على التّلفّظ بحرف من شدّة الصّدمة. 

فلسطين حلميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن