الفصل السّادس

180 16 3
                                    

كان وجهه يعبّر عن الأسى والحزن الشّديدين، لم أعرف ما يجب أن أقوله لأواسيه، فالتزمت الصّمت. عندما رآني على هذا الحال بادر بالكلام قائلاً:

- ولم اخترتني من بين أصدقائك؟ علماً أنّه هناك أصدقاء أقرب إلى مكان سكنك في التركمان، والذّهاب إليهم أفضل من أن تأتي إلى تلّ الهواء.

- أوّلاً، لا أريد أن أبقى مسترخياً في المنزل، والمقاومون على جبهات القتال، لم يذوقوا طعم الإسترخاء منذ مدّة طويلة، ولا لحظة أمانٍ واحدة...

قاطعني قائلاً:

- تعني أنّك تريد الإنضمام إلى حركات المقاومة؟

- نعم، هذا ما أقصده بالتّحديد.

- يا مرحباً بك، عفواً على المقاطعة، أكمل.

- ثانياً، هروبي من بيتي لم يكن عبثيّاً، بحيث أنّي لم ألجأ إلى مكانٍ قريب من المنزل، فمن السّهل أن يجداني إن بحثا عنّي. أردت أن أبتعد قليلاً، وأتأكّد من أنهما مهما بحثا، لن يعثرا عليّ وبالتّالي يجبرانني على السّفر معهما.

- أحسنت، إذ أنّ بعضهم يأخذ هجرة أهله من فلسطين ذريعة ليهاجر معهم، ولا يفكّر بحلٍّ بديلٍ، كأن يقنع أهله بالبقاء، وأن يرفض الذّهاب معهم، فإن خذل الوطنَ أهلُه، من يبقى له ليدافع عنه؟

- هذا ما لم أسمح أن يحصل معي، فلا أهلي ولا غيرهم يجبرني على الرّحيل من وطني.

نظر إليّ نظرة رضى، ثمّ قال لي:

- بيتي أصبح بيتك، وعائلتي أصبحت عائلتك. ها هو سرير أخي الشّهيد قد أصبح سريراً لأخي المجاهد.

قلت بعد أن وضعت يدي على كتفه:

- والسّبب الأساسيّ الّذي أتى بي إليك لا إلى غيرك هو يقيني أنّك لن تخيّبني، وأنّك لن تجبرني على طلب شيء، إذ أنّ أفعالك تسبق طلبي فتدحضه. شرفٌ لي أن أنام على سرير شهيد، فلعلّني أحظى ببعض بركاته، فأصبح مثله.

ابتسم، ثمّ استأذن وخرج من الغرفة

شعرت بإرتياح لا مثيل له في هذا المنزل، وما أسعدني أكثر هو كلام محمّد، وترحيبه بي في صفوف المقاومين الّتي كنت أتوق لأنضمّ إليها. إنّ رضى الوطن بعث فييَّ رضاً عن نفسي، ولكنّه رضاً لا يكتمل إلّا بالنّصر، أو بالشّهادة.

راحت الأفكار تجول في بالي، لكنّها الآن أفكارٌ من نوعٍ آخر، ليست كالأفكار الّتي شغلت عقلي في الأيّام الماضية، إنّما هي أفكارٌ تبعث في النّفس الهناء والطّمئنينة. فكرة الجهاد في سبيل الله والوطن كافية لإسعادي، إذاً تطبيقها سيجعلني في قمّة السّعادة. لا أشعر بذرّة تردّدٌ أو خوفٍ أو توتّر بسبب إقتراب موعد لقائي الدّمويّ مع العدوّ، بل أتوق لتلك اللّحظة الّتي أنازله فيها، لأذيقه بأسي.

فلسطين حلميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن