الفصل الثانى

375 9 0
                                    

الفصل الثاني

" قم …. استيقظ …. هازار …. سأقتلك … لقد كنت أتوقع منك اي شيئ سوى هذه الكارثة …. استيقظ "
انتفض هازار من فراشه على صوت صراخ خاله الّذي يجذب الغطاء عنه بعنف ، فتح عيناه يراقب محيطه بتساؤل لتتغير ملامحه بعد قليل متذكراً احداث اليوم الماضي ، فوقف عن السرير برهقة سائلاً خاله الذي ما توقف عن تأنيبه." خالي ماذا يجري هنا ؟؟؟ ماذا حصل لك؟؟؟ لماذا تصرخ بي هكذا ؟؟؟"
" لماذا اتيت بها اليَّ، ها ؟؟؟!!! اتريدني ان اساعدك بمصيبتك؟؟  هل تريدني ان اجهض الطفل؟؟  سأقتلك قبل ان اقوم بهكذا عمل!!! ولِمَ لَمْ تخبرني منذ البارحة ؟؟؟ ما الذي كنت تنتظره ؟؟"
تجمد هازار بأرضه ، لا يستوعب ما يسمعه ، انها حامل ، تمارة حامل !! ايعقل هذا ؟! ترك خاله يؤنّبه بالغرفة ونزل الى العيادة ، ناشداً تفسيراً ما ، شرحاً لما يحصل ….
دخل عليها ليجدها ما تزال نائمة ، نائمة كطفلةٍ تحيط بها هالة من الطمأنينة ، استعادت بشرتها بعض رونقها الذي اعتاد رؤيته ، اقترب منها بهدوء تام ، بنيّة عدم ايقاظها، يراقبها عن كثب ، يتأمل ملامحها بإبتسامة على محياه ، لقد امضى سنة بحالها من اوّلها يراقبها ، يلاحقها كظلّها ، يرسم معالمها ، يملك مئات الرسومات لها هي فقط ، لقد اسرته بهدوئها الغير معتاد ، انطوائيتها ، محاولاتها ان تكون غير مرئية ، التي تجلس بزاوية الفصل تحمل قلماً ودفتراً ، ولا تنفك عن الكتابة والكتابة دون توقف ،الى ان تنتهي المحاضرة ، فتتركها الى اخرى دون توقف او تمهل كباقي الطلاّب وهو بالمقابل كان يقضي وقت محاضراته منكبٌ على رسم معالمها وتفاصيلها الدقيقة….لم يراها تخاطب شاباً طوال عامها الدراسي بأكمله ، ليس حتى النظر الى احدهم ، الرجل الوحيد الذي كان يراه في بعض الاوقات يقوم بإيصالها الى الجامعة هو زوجها….

استيقظت تمارا لتجد نفسها في غرفة بيضاء ، نظيفة ، واسعة جميله ، مضيئة
وبقربها يجلس هازار ، بطلها المغوار الذي قام بإنقاذها البارحة من هؤلاء الشباب الهمج الّذين كانوا يتحرشون بها ، ذلك الحقير الذي لا تذكر اسمه بالوقت الحالي ، ولكنها ستفعل لاحقاً ، ستشتكي عنه للشرطة كي لا يكرر فعلته ووقاحته مع غيرها ، اخرجها من ترتيبها الذاتي للأحداث صوته الدافئ يسألها بلطف وقلق
" كيف تشعرين ؟؟ "
" بخير، شكراً لك لانك عدت لانقاذي، يا الله !!! لقد كنت خائفة جداً ، لم اعلم ان تلك المنطقة خالية من السكان ، لقد كنت خائفة . " راحت تكرر مستعيدة اهوال الليلة الماضية 
"وما الذي جعلك تطلبين مني انزالك هناك ؟؟؟؟ لم كذبت علي وقلت بأنك تعيشين هناك ؟؟ "
اشاحت بنظرها عنه حائرة مترددة ، لا تعرف ماذا تقول ، محاولةً الاستقامة لتعود وتهمد بسبب دوار قوي اصابها
" من الافضل ان تستريحي ، لقد اثبتت فحوصات الدم اصابتك بفقر دم حاد ، ونقص بالعديد من المعادن الاساسية لجسدك وصحتك ، والسبب يعود لسوء التغذية ، وهذا بالتأكيد سيؤثر سلباً على حملك . هل كنت تعلمين أنك حامل؟؟»
شهقت تتلمس بطنها الملساء ، وكأنها تتفقد جنينها هناك ، ليسمعها تسأله بقلق "هل … هل الطفل بخير؟؟ انا احاول قدر الامكان تغذية نفسي من اجله ، ولكن على قدر امكانياتي ، صدقني ، انا افعل ."
هزّ برأسه مستنكراً حديثها " اين هو زوجك ، لم أشعر وكأنه ليس موجود بالصورة ؟؟"
حدّقت بأسفل السرير مشيحةً بنظرها عنه من جديد،  ماسحةً دمعة متمردة ، انه يستحق ثقتها ، لقد قام بالعودة من اجلها وانقاذها من هؤلاء الشبان الذين كانوا على وشك إهدار شرفها ، لذا ، انه يستحق ثقتها بإخباره بوضعها الحالي المخجل والمشين … 
" لقد … لقد تركني …لا اعرف ماذا فعلت او السبب الذي دفعه لطردي من المنزل ، اقسم لك ، بعد عودتي  ذلك اليوم من العيادة حيث اخبرتني طبيبتي بحملي ، كنت سعيدة جداً ومتحمسة لاخباره … ولكني … حسناً … لا اعرف ماذا حصل ليقوم بطردي من المنزل ونعتي بالخائنة … لقد قام برميّ خارجاً دون مال او هاتف او سيارة ، اخذ مني كل شيئ وطردني ، حتى انه رفض اعطائي اوراقي الثبوتية  " لم تعي على نفسها الاّ وهي تشهق باكية بحرقة والم ، ودموعها تنهمر بغزارة رهيبة  " لم يتسنى لي اخباره بحملي ، لقد اهانني وتعرض لكرامتي …. وو …… و…… " طمرت وجهها بكفيها تتنهد وتشهق ، محاولةً كبت بكائها المرير.
وقف هازار من مكانه مصدوماً من كلامها . هل ما فهمه صحيح؟؟!!! ذلك الحقير ، طردها من منزله وهي حامل ، لقد كانت تعاني وحيدة منذ شهرين ، لقد أخفق معها من جديد ، فشل ، إنه فاشل ، ضرب الحائط بقبضته منتشلا اياها من دوامتها ، لترفع بصرها تناظره بعينان حمراوتان .
نزلت عن السرير مسرعةً اليه فزعة " يا الله !!! لماذا فعلت هذا ؟؟!! دعني ارى ؟؟"
اخذت كفّه متفقدة اياه تمسح قطرات الدماء بكم قميصها بنية تفقد عمق تشققاته ….
" ولكن !!! ما الذي جرى لك ؟؟"
عيناها تراقب يده الدامية بتأني واهتمام وعيناه تراقبانها بتأنّي واهتمام ، فراشته المرهفة والحساسة ، من اسرت تفكيره منذ أول يوم رآها ، كانت تعاني بعيدة عنه ، تعاني وهو غافل عن معاناتها ، لقد ظن بأنها سعيدة بزواجها ، على الاقل هذا ما كان يبدو عليها ، هل أخطأ بظنه ؟ وبحركة عفوية شبك اصابعه بشعرها الداكن الاشعث المتناثر بفوضوية عارمة في كل اتجاه  متسائلاً عن ملمسه ، توقفت عن تفقد يده رافعةً رأسها تناظره بدهشة واستغراب ، لتراه يراقبها بغرابة آسرة ، تشعر بروحها وكأنها تعرفه ، إلتقت به منذ زمن بعيد ولكن عقلها لا يطاوعها على التذكر، ليقاطع اللّحظة مسبباً انتفاض الزوج كلّ واحد الى الاتجاه المعاكس دخول امرأة اربعينية انيقة جميلة راقية مشتعلة بنار متوقدة ، تناظرهما بحسرة وغضب وخيبة، يتبعها رجلٌ يكبرها بالعمر يشبهها الى حد ما .
اقتربت من هازار وعيناها لم تفارق عيناه الذي غضّ بصره عنها بخجل كبير يناظر الارض تحت قدميها ، واذ بصفعه رنّانة تلامس وجنته مرفقة بشهقة مسموعة من تمارة .
التفتت المرأة اليها تناظرها هي الاخرى بإشمئزاز وكره وغضب ، ليحجب عنها جسد هازار رؤيتها بوضوح إذ وقف بينهما يخاطب امّه بأدب واحترام
"أمي أرجوك ، دعيني أشرح لك قبل تسرعك بالحكم علينا ، الامر ليس كما فهمه خالي "
« وماذا الان هازار ؟؟ هل ستخبرني بأنها زوجتك وتحمل طفلك بالحلال وبأنك تزوجتها بالسر عن والدتك »
حدّقت تمارة بالرجل من خلف هازار بدهشة وتساؤل ، ما الذي يقوله هذا الرجل ؟؟!! هل فقد عقله كلياً ؟؟ فنادت هازار متلمسةً  كتفه بلطف بهدف استدعاء انتباهه ، ولكنه تجاهلها مولياً انتباهه لوالدته ، يناظرها بإعتذار لتسببه بحزنها الشديد بسبب سوء التفاهم هذا.
« أمي ، هل يمكننا التحدث خارجاً لو سمحت ، وأنت خالي »
رمقت أمه تمارة بحقد وإشمئزاز مستديرة نحو الخارج ، وهو إستدار إلى تمارة يناظرها بإعتذار عن ما بدر من أمه ولحق بهما .

عندما تظلم المرأة لكاتبة أمل القادرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن