عندما تُظلم المرأة
الفصل السابع
وقفت أمام المرآة تتأمّل نفسها بإشمئزاز ، بحنق وغضب … تتأمّل فستانها الأحمر الناري بأكمامه المطرزة الشفافة الكاشف عن عنقها لحدود صدرها ،الضيق على خصرها ، الحاضن وركيها وأردافاها ليفتح على شكل حورية بحر من أسفله بذيل بارز نسبياً ، تشعر بالدمع سيفر من عينها ، مهدداً بإفساد تبرجها المحترف ، وشعرها الحر الطليق على كتفيها يغطي نصف ظهرها ، لقد أصرّ على أن ترافقه إلى الحفل الخيري المقام من قبل لجنة أطباء لجمع تبرعات لمرضى السرطان ، وكيف لا تذهب وهي نفسها على وشك أن تصبح طبيبة وقريباً جداً ستعود زوجته ، يبدو أن قدرها أن تُدفن مع إبنها بوكره ، إلى الابد من دون خلاص ، الوقت يداهمها وهي ما زالت لم ترسى على قرار ، دائماً تجد ثغرات رهيبة بكل خطة تضعها للتهرّب من زواجها به .
خرجت إلى الصالة لتجده يلعب مع رايان، لا تستطيع أن تنكر أنه والد حنون وطيب ، وفِي بعض الأحيان تشعر بأنها ستظلم إبنها بإبعاده عنه ، فتفكر بالرضوخ لمصيرها وقدرها وتتزوجه من جديد غير مكترثة لمشاعرها وخوفها وعدم أمانها ، المهم سعادة وأمان إبنها ، وقفت تراقبه يساعده على تركيب قطع ألليغو لصنع طائرة ، ورايان ما ينفك عن مناداته وسؤاله عن رأيه بكل حجر يضيفه ، إلتفت إليها مبتسماً يراقبها بإفتتان لحظة إنتبه اليها وإلى ما ترتديه ، بالنهاية الفستان من إختياره ، كباقي كل ما كانت تملك من قبل ، وقف عن الارض ببدلته الرسمية السوداء بارزة أناقته ووسامته ، بشعره البني الممزوج بخصلات رمادية مضيفة على وسامته وسامة …
إقترب منها منتشلاً علبة مخملية من جعبته ، فاتحاً إياه ، مخرجاً منه خاتم زواج الماسياً ، حدّقت بالخاتم بذعر ، هل إنتهى الامر ؟… هل إنتهت رحلة المكافحة وأتى وقت الاستلام ؟
رفعت نظرها مُحدّقةً به ، لتشعر به يأخذ كفّها واضعاً الخاتم بإصبعها مقبلاً إياه بحرارة ….
« لا أريدك أن تذهبي إلى الحفل بدونه ، كنت أنتظر الوقت المناسب لتقديمه اليك ، ولكني سأُقدّمك لمعارفي على أنك زوجتي ، وهذا لن ينفع بدون خاتم زواجنا ….»
أومأت له برأسها بنعم ، بأنها فهمت ، متوجهة إلى رايان . إحتضنته برفق «أحسن التصرف … لا تعذب غيلدا إتفقنا »
قبّلها قبلة رطبة على وجنتها وقال يتأملّ جمالها مشدوهاً « أحب لون فستانك أمي … وشعرك ، وعيونك » قبّلته بحرارة على وشك البكاء ، تركته وإتجهت نحو الباب ، تشعر بحرقة قاتلة ، لقد إتخذت قرارها ، ستبقى ، ستتزوجه ، إنها مستعدة من أجل سعادة وأمان طفلها الحبيب أن تذهب إلى الجحيم …..******************************
دخلت الحفل متأبطةً ذراعه ، لتلاحظ الكثير من العيون تراقبهم ، زوجته!! هل عرف أصحابه بأنه إتهمها بالخيانة وطلّقها؟؟ أم يظنون بأنهما ما يزالان معاً وحياتهما ما زالت سمن على عسل ……
وكالعادة ، وقفت بقربه كأنها قطعةً من زينته الخاصة ، يسلم عليها أصحابه ورجال أعمال أخرون ومن ثم يعيرون كامل إهتمامهم اليه متجاهلين وجودها بقربه ، تقف بصمت ، تستمع إلى أحاديثهم وأقاويلهم دون مشاركة منها ……
إعتذرت منه هامسةً بأنها ستذهب إلى طاولتهما، بالطبع لم يعجبه الامر ، فرفع حاجبه معارضاً طلبها ، حاثثاً إيّاها على البقاء مكانها ، وفعلت ، بقيت واقفة بقربه تزين حضوره بحضورها الآخاذ ، ليكون محط أنظار الجميع بالفاتنة الشابّة الجميلة ذات الرداء الأحمر الناري …..
وقفت بقربه إلى أن ما عادت قادرة على الوقوف، فقررت التمرد وتركه دون إستئذانه والتوجه إلى الحمام ، دخلت الحمّام الأنيق الذي لا يقل فخامة عن الصالة والفندق الخمس نجوم ، جلست على الأريكة المريحة تتنفس الصعداء ، غير قادرة على الوقوف أكثر ، متمنيةً لو أن بمقدورها أن تخلع حذائها وترفع قدميها إلى الكرسي المجاور لتتذكر ماذا حصل لها في المرة الماضية عندما خلعت حذائها وتعذّر لديها إرتداءه من جديد ، إتكأت إلى الخلف مغمضةً عيناها تتذكر تلك الليلة الوحيدة التي شعرت بها بالسعادة المطلقة ، سعادة حقيقية ، بريئة ، بين أحضان هازار ، حبيب الروح هازار .
سمعت وقع أقدام قادمة نحوها وكأنها توقفت أمامها تماماً ، إنتظرت تمارة مغمضةً عيناها لبعض الوقت ولكن يبدو أن الواقف أمامها ينتظر إنتباهها ، ففتحتهما تراقب الواقفة أمامها بتساؤل .
جلست الغريبة قبالتها ، تناظرها بحزن ، تناظر المرأة التي حرمتها من حبّها الوحيد ، المرأة التي سلبت مكانها ووقفت عائقاً أمام زواجها ….
إعتدلت تمارة بجلستها تعطيها كامل إهتمامها، لتواجه عينان عسليتان تحدقان بها بغرابة ، بمزيج من الكره والغضب والإعتذار ، وكأنها تعيش صراعاً داخلياً أتكرهها أم لا ، أتعتذر لها ام لا......
تنحنحت تمارة منتظرة تعليق ما منها .
تنحنحت هيام تتململ بجلستها ثم رفعت بصرها تناظر تمارة بطريقة مباشرة وقالت « أنا أسفة جداً على الذي سأقول ، ولكني لن أستطيع الاستمرار هكذا وأنا أشعر بعذاب الضمير ، أولاً ، أنا أعتذر لك من كل قلبي على إرسال تلك الصور لآدم بنية التخلص منك نهائياً....»
وقفت تمارة من مكانها شاهقة خالقة مسافة بينهما « ماذا ؟؟!! وتجرئين على قولها هكذا بكل بساطة ، وتعتذرين ، وماذا تتوقعين مني ، أن أربت على كتفك وأسامحك .... و، ومن أنت ، ولماذا تريدين التخلص مني»
وقفت هيام هي الاخرى وقالت قبل أن تجبن « أنا عشيقة زوجك » قالتها هيام متراجعة ، تتمنى لو أنها لم تقدم على هذا الاعتراف المشين ، خاصّة بعد أن رأت نظرة الالم بعينين هذه المسكينة التي لا تستحق ما فعلاه بها هي وآدم .
« أنا أسفة ، أرجوك ، المسألة أكبر من مجرد عشيقة ، لقد كنّا معاً قبل أن تتزوجان ، كنت حبيبته التي تنتظر اللحظة التي سيطلبها للزواج لأفاجأ به بأنه تزوج ، تزوج دون حتى أن يخبرني ، فقط تزوج ، وعندها كنت غارقة ببحره حدّ الضياع ، ما عدّت قادرة على العودة أو حتى التقدم فرحت أتخبط بين أمواجه العاتية أناشد الخلاص متمسكة بخيوط رفيعة مهدّدةً غرقي بأي لحظة . كنت أظن أن وجودك هو الذي وقف بطريق سعادتي لأكتشف بعد فعلتي الشنيعة بأنك أبداً لم تكوني أنت المشكلة يوماً ، بل هو ، هو فقط ...»
« ولماذا تخبريني هذا الان ، ما هو هدفك » سألتها تمارة مستكينة لدموعها والمها وخيبتها
عادت هيام تواجهها تتلمس جبينها بتوتر « أقسم لك لا شيئ ، أنا فقدت الأمل بآدم ، ولكني لا أقوى على تركه، وهو ، لا أدري ، هو تغير بالآونة الاخيرة ، أضحى أكثر تعلّقاً بي ، وكأنه يمرّ بحالة ما ، تؤثر على رتابة أعصابه وهدوئه ، وكأنه بركان هائج على وشك الثوران بأي لحظة ..... وأنا ما عدّت قادرة على حمل هذا السر اكثر ، لا أريد أذيتك أكثر ، أنت لا تستحقين ما نفعله بك ....»
عادت تمارة وجلست على الأريكة ، حضنت نفسها تحاول استيعاب الحاصل ، آدم كان يخونها منذ أول يوم تزوجها ، ومازال يفعل إلى الان ، ومع كل هذا يريد إسترجاعها ، وكذب على هذه المسكينة بأنه تزوجها من جديد ....
« أنا لست زوجته ، نحن لم نتزوج بعد » قالتها تمارة وهي تحاول تمالك أعصابها التالفة حدّ الانهيار .
بدت الصدمة على وجه هيام التي سألتها مستفسرةً « لست زوجته ، لم يسترجعك بعد »
هزّت تمارة برأسها عدّت مرات قبل أن تقول « ولكنّ زواجنا أضحى قريب ، ولا أعرف كيف أتملّص منه »
مسحت هيام دموعها تناظرها بأسى مشفقةً على حالها ، تعلم مسبقاً أنها لن تستطيع التملص بأي طريقة « أنا أحبه تمارة ، أحبه أكثر من نفسي حتى ، وإنه بحاجة الي ، وطالما هو يريدني لن أتركه »
أنهت ما قالته متجهة نحو المرآة الطويلة والعريضة فوق المغاسل تفقدت وجهها معيدة تبرجه وتركت الحمام ، وتمارة وقفت وسط الحمّام حائرة غاضبة مصدومة ... عقلها لا يستوعب ما حصل للتو ، دخلت إمرأتان الحمّام بعد أن فتحت قفله هيام وخرجت فإتجهت إلى المرآة تحاول تنظيف وجهها هي الاخرى من أثار الدموع وخرجت ، خرجت متمنيّةً لو أن بإمكانها البقاء مختبئة داخل الحمام إلى أن يحين موعد الرحيل لتُفاجأ بظهر آدم وأمامه هيام دافعاً إيّاها نحو ردهة محايدة بقرب الحمّامات .... فلم تعي على نفسها إلاّ وهي تتبعهما .
وصلت إلى أخر الردهة فاقدةً لأثرهما ، تلفتت حولها بحيرة لتسمع صوت آدم قادم من باب بأخر الردهة إقتربت بخطى متأنية إلى أن أصبحت على مرمى من السمع لتسمع صوت آدم الحانق
« ماذا تفعلين هنا هيام ، الم أحذرك من القدوم إلى هنا الليلة »
« لا شأن لك بما أفعله آدم بحياتي الخاصة ، أنا مدعوة تماماً كما أنت ، لذا ما المانع من وجودي هنا »
إقتربت تمارة أكثر متسللةً بنية رؤيتهما لتشهق متجمدة لحظة رأت آدم ممسكاً بشعر هيام دافعاً إيّاها إلى الحائط بعنف ملتصقاً بجسدها يقبلها وكأنه يحاول إختراق جدار روحها والغوص بمتاهاته .... كتمت على نفسها متراجعةً ، غير قادرة على رؤية المزيد ، غير قادرة على إحتمال المزيد ... تشعر بالضياع ، وكأنها تهيم بغرفة مظلمة تحاول إيجاد منفذٍ نحو النور دون جدوى