عندما تُظلم المرأة
الفصل الخامساخذت تمارة هاتفها بيد تتصل به ، واليد الاخرى تحتضن رايان محاولةً التخفيف عنه ومنعه عن البكاء … لم يتوقف عن البكاء منذ اكثر من ساعة متواصلة ، ولم تترك شيئاً الاّ وفعلته له ، من دواء للمغص ، تدليك لبطنه وامعائه، تغيير الحفاظة ، ومع كل هذا لم يتوقف عن البكاء للحظة ، انها المرة الثالثة التي تحاول الوصول فيها الى هازار ، ليرد عليها وسط اصوات صاخبة وكأنه في حفل ما .
" تمارة! … ماذا يحصل معك؟؟ … هل انت ورايان بخير ؟؟"
ومن دون سابق انذار انفجرت به باكية بقهر " اين انت ؟؟!! اين انت، وماذا تفعل بينما انا هنا لا اعرف كيف اوقف رايان عن البكاء ، انت دائماً تخرج وتمرح مع أصدقائك ، بينما انا عالقة وحدي في المنزل ، انت لا تشعر بي ، اناني وبلا مشاعر وأحاسيس، وانا الان أشعر بأني اكرهك كثيراً ، كثيراً كثيراً " ومن ثم اغلقت الهاتف وجلست القرفصاء تشارك طفلها بكائه المرير …حمل هازار الهاتف امام ناظريه يراقبه بدهشة … بتساؤل …. ما اللذي حصل للتو؟؟!! هل كانت هذه تمارة ؟؟ !! ولماذا كانت حانقة عليه بهذا الشكل ، انها المرة الاولى التي تخاطبه بهذه اللهجة ، هزّ برأسه يحاول تذكر ما قالته ، حسناً وماذا كانت تريد؟؟ فهي لم تخبره حتى عن حاجتها ….
" هاي هازار …. ما بك تحدّق بهاتفك كالأبله؟؟ " سألته سالي محيطة عنقه بذراعيها طابعةً قبلة على عنقه ، تاركةً علامة احمر الشفاه على ياقة قميصه ، دفعها عنه بلطف مستنكراً حركتها ، معاتباً " سالي !!! ما هذا بحق السماء؟؟ انت تعرفين بأني لا احب هذه الحركات"
مطت شفتيها بدلع مرفرفةً بأهدابها المستعارة . " وهل تخاف على مشاعرها حتى بغيابها ؟ لا تخف ، لن تعلم بنزوتنا"
" عن أية نزوة تتحدثين سالي ؟ من يسمعك يظن بأنني أخون تمارة معك بعلاقة عابرة ، أو يظن بأن هناك ماضٍ يجمعنا ، أنا وأنت لم نكن ولن نكون شيئ أفهمت "
بهت لونها لتختفي الابتسامة عن وجهها ترمقه بعين دامعة ، على وشك فقد رباط جأشها والبدء بالبكاء ، رفع حاجبه متحدياً ايّاها ان تفعل ولكنه لم ينتظر ثورتها ، الا يكفيه واحدة !!! ، اخبر انور برحيله وترك الحفلة متوجهاً الى منزله .
دخل عليها المنزل يتفقد حالها ، الهدوء يعم الأرجاء ، الاضواء خافتة ، والدفئ يحيط بالمكان ، تسلّل الى غرفتها ليجدها نائمة على ظهرها ورايان نائم على صدرها ، يتنهد بنومه من كثرة ما بكى ليفاجأ بها هي الاخرى تتنهد بنومها ليلمح رطوبة وجهها ، لقد نامت وهي تبكي ، كطفلها …..
طفلةٌ انت يا طفلتي …. تحملين طفلاً بين احضانك وقلبي بين كفّيكِ….
طفلةٌ انت يا طفلتي .... كنتِ عندما احببتك ومازلتِ وستستمرين طفلتيفتحت عيناها الحمراوتين المتورمتين، تراقبه جالس بقربها يراقبها هي ورايان ، لتلاحظ نظراته الحانية والدافئة ، انه يحب رايان كطفله ، يهتم به ويرعاه عندما تحتاج لوقت راحة لنفسها ، يسهر عليه ويغدقه بالحب والحنان والاهتمام ، لكم تتمنى لو انه هو والده ، لكانت الحياة ستكون اسهل بكثير ، والمستقبل اوضح بكثير
اخذه عن صدرها ، قبّل جبهته بحنو، ودثره بسريره ، ثم عاد بإنتباهه اليها، ليراها تحاول الهرب من امامه ، متوترةً حدّ الاحمرار الشديد البادي على وجنتيها القمحيتان ، اولته ظهرها ناشدة ترك الغرفة بأكملها علّه يرحمها من نظراته تلك ، لتشعر بكفّه توقفها دافعاً ايّاها الى مواجهته ، رفعت بصرها اليه متمتمةً " انا اسفة …. اسفة جداً … لقد …لقد نسيت نفسي لوهلة …. فقدت عقلي بأكمله… لم اعي ما تفوهّت به من تراهات … لقد …لقد كان رايان يبكي ويبكي دون توقف ، وامك نائمة لم اجرؤ على ايقاظها ، فأتصلت بك ، وانت لم تجب ، وهو لم يتوقف عن البكاء ، فبدأت انا بالبكاء كذلك الامر ، وعندها اجبت على اتصالي ، واكتشفت انك بمكان ما تلهو ، انت تلهو وانا هنا احمل رايان وادور به المنزل طولاً وعرضاً ، وهو لم يتوقف عن البكاء …. حسناً …. انت حر… وانا … " وضعت كفّها على جبهتها تضغط عليها محاولةً منع تدفق الدماء بسرعة الى رأسها … استدارت عنه … ثم عادت وواجهته …. "انت لم تكن مضطراً لترك الحفلة والقدوم الي ، انه ليس إبنك ومسؤوليتك، وانا لست… حسناً ، انت تعرف ماذا انا لست …. ولذا … ما كان يجب علي ان اصرخ بك واعاتبك ، وأقول ما قلته ، ولكني كنت غاضبة ولا أعرف لماذا .انا اسفة ، اشعر بأني غبية …. توقف عن النظر الي هكذا ، نظراتك هذه توترني …. توقف ….. "
وتوقف …. توقف عن النظر اليها عندما اطبق فمه على فمها مغلقاً عينيه ، غارقاً ببحر مشاعرها المتخبطة ودفئ حضنها ، مستعيداً تلك الشرارة التي يشعر بها وكأنها تعيد إحياء كل خلية هامدة بجسده ، ليشعر بقلبه يغوص بأعماقها ، وروحه تسبح بسمائها ، بإندماج روحيهما وإنصهار قلبيهما ، برطوبة وجهها وطعم دموعها المالحة ، ليتباطأ بقبلته مجبراً نفسه على مفارقتها ، فتح عينيه بتكاسل ليكتشف دموعها السخية ، تنزل بغزارة ، ليسمعها تقول وسط شهقاتها المريرة :
" ما هذا؟؟!! ، ما هذا الذي حصل للتو؟؟!! وكأنك قطعةُ مخذِّر اذهبت عقلي وغيّبته ، هذا مخيف ، مخيف ، ما الذي فعلته ، لقد فتحت علينا أبواباً تدخل منها أعاصير ، وأنا لست جاهزة لهذه الاعاصير ، لست جاهزة »