الجزء الأول

1.8K 48 1
                                    

يقولون بأن الأسرة هي المنشئ الأول للفرد وهي السند   الوحيد الذي لا يخذل أبدا  وبأنها الأمان الذي لا ينتهي، لكن ماذا لو كان هذا الأمان   في حقيقة الأمر أكبر خطر يداهمنا وأكبر عقبة تعيق تقدمنا ونجاحنا؟ وهل تراها تكون الأسرة متكاملة إن غاب عنها الأب فعن أي أمان يتحدثون؟؟  وكيف سمحت لهم مخيلتهم العقيمة أن تتصور أن هناك رجل آخر قد يسد الفراغ الذي يتركه الأب  ؟ وفي النهاية يظل زوج الأم مجرد نكرة شخص غريب خاصة لو كان في قمة السفالة (ذئب بشري)...
تحتضن ليليان  البالغة من العمر25سنة أمها وتنهار باكية بعد أن فقدت الأمل في هذه الحياة التعيسة وتتحدث من بين شهقاتها: لن أتزوجه لن أتزوجه  ، يصرخ عليها جابر زوج أمها موجها لها  العديد من الضربات: ستتزوجينه أيتها العاهرة وإلا سيكون موتك على يدي هل تفهمين؟  تحاوط نورة إبنتها لتتلقى مكانها تلك الضربات والركلات من زوجها متوسلة له أن  يرحمها  وتعده أنها ستقنعها بهذا الزواج،  يبتعد جابر قليلا لاهثا  ويقول: غدا سيأتي السيد أحمد لخطبتها حذريها من أن تتصرف أي تصرف خاطئ يوحي أنها ترفض هذا الإرتباط وإلا سأقوم بحرقها حية. يلقي كلماته هذه على أسماع ليليان وأمها ويخرج صاعقا الباب خلفه. ليليان بصوت باكي: دعيه يحرقني هذا أهون من أن أتزوج رجل بعمر والدي فقط لأنه ثري ويمتلك أموالا طائلة. تضمها نورة محاولة تهدئتها: إهدئي ياحبيبتي لن أسمح لهذا أن يحدث حتى لو كلفني حياتي . ينتهي باقي اليوم ويحل الليل مسدل  ستائره السوداء ليحل الظلام في كل الأرجاء، يعود جابر للبيت بخطوات مبعثرة بعد أن تناول الخمر  ، ينظر بإتجاه ليليان وأمها ويبتسم إبتسامة جانبية ثم يقول بتلعثم إثر الشرب: هل أقنعت عاهرتك بهذا الزواج؟ يصمت قليلا ليكمل: دعيها تختار إما تتزوج من العجوز الغني ونستفيد من أمواله أو ستظل هنا وأستفيد أنا من جمالها  ثم يضحك بصوت عالي  ، ترد عليه نورة: لقد وافقت على الزواج  أنا اقنعتها بذلك. يدير ظهره ذاهبا لغرفته ويقول: كان عليها أن تكون مطيعة منذ البداية، ثم يدخل لغرفته ويسعق الباب خلفه ليغط في نوم عميق.
تدخل نورة للغرفة الأخرى وتحضر حقيبة، تقترب من إبنتها ليليان وتعانقها هامسة: ليس بيدي حيلة يا إبنتي إعتني بنفسك أينما كنتي. تعانق ليليان أمها بقوة اكبر وترد عليها بصوت حزين: أعدك يا أمي  سأكون بخير فدعواتك تحميني من أي ضرر. تمد يدها وتمسح دموع والدتها وتكمل: لا تقلقي عليا الهروب أهون من أن أظل تحت رحمة جابر اللعين أعدك يا أمي سأعود لأخذك عندما أجد ملجأ لي لن أتركك رفقة هذا الإبليس.
تمر بعض اللحظات وليليان بين أحضان أمها محاولة أن تشبع منها وأن تملأ أنفاسها برائحة والدتها  ثم تحمل حقيبتها وتمضي نحو المجهول هاربة من زوج والدتها جابر
.تجوب شوارع المدينة في ليلة عاصفة ممطرة   ودموعها تنساب على خدها أرهقها المشي لوقت طويل، إلا أنه لا وجهة لها ولا مكان يؤويها. تجلس ليليان  على حافة الطريق يرتعش جسدها من البرد والخوف  . فكيف عساها ألا تخاف والذئاب البشرية تترصد أمثالها في كل  مكان.  مزيج من المشاعر تعصف بقلبها فتدميه  وتحطمه، خوفها على والدتها التي تركتها خلفها بين مخالب زوجها المتوحش يفوق خوفها على نفسها بأضعاف مضاعفة. تخرج تنهيدة من بين شهقاتها وتتلاشى الرؤية تدريجيا عن عيونها التي غرقت في الدموع  ، تقف بحذر  وتتحرك بخطوات مبعثرة إلا أنها لا تزال تجاهد كي لا تفقد توازنها لكن أقدامها تخونها لتسقط مغمى عليها.
في مكان آخر  تجلس فتاة ثلاثينية ذات قوام ممشوق وجسم جذاب ووجه ملائكي طغت عليه نظرات حادة جريئة في الحانة تشعل سجائرها الواحدة تلو الأخرى  في إنتظار قدوم حبيبها الذي تأخر عنها وعلامات الغضب تكسو ملامحها، يمر بعض الوقت ويرن هاتفها معلنا وصول رسالة، تمسك  لورين هاتفها وتفتح الرسالة لتقرأ محتواها«حبيبتي أنا جد آسف لن أستطيع القدوم لدي إجتماع مهم  إعتني بنفسك أحبك» تقرأ لورين الرسالة وشرارات الغضب تتطاير من وجهها لتضرب بقبضتها الطاولة وتصرخ: تبا لك ولعملك يا سام عليك اللعنة  ثم تشرب ما تبقى من الخمر في كأسها وترحل، تقود سيارتها بسرعة عائدة لبيتها شاتمة حبيبها الذي يفضل عمله عليها في كل مرة  إلا انه يستوقفها شيء  تضغط على الفرامل بقوة للتوقف السيارة وتنزل لورين منها بخطوات بطيئة فتقف على مقروبة من ذاك الجسد الممد على حافة الطريق تتحسس النبض وتهمس: الحمد لله هي حية. ثم تنحني لترفع جسد الفتاة وتضعها في السيارة وترجع مجددا وتأخذ الحقيبة وتضعها جنب الفتاة  وتقود السيارة متجهة لبيتها.

وتسللت إلى قلبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن