الفصل الأول

551 14 26
                                    

الفصل الأول
.
.
الكاتبة : tami~
.
.
( اعتاد الناس على اختلاق كذبة في أول يوم من نيسان \ إبريل فاحذروها ...)*(1)

لم يكن لشيء أن يلفت اهتمام ( هنري دوقار ) بسهولة , بالنسبة لرجل قضى حياته متنقلاً من مكان لآخر فإن تفاهة البعض لم تكن لتحوز على تضييع وقته فيها لكن هذا الإعلان الصغير قد فعل ، وقد أضاء فكرة في داخل عقله , لا أدري كيف أصف ما يفكر به أهو خير أم شر ؟
أو الاثنين معاً ..؟
أكان حمقاً منه أنه أعطاه انتباهه ؟
أو أنه كان أحكم قرار اتخذه ؟
كان عابر من هنا في إحدى المدن الساحلية يقف وقفته المهيبة المستقيمة المعتادة , تلك الثقة النابعة من كل ما مر به والتي تحكيها عن كثب الندوب التي تعبث بوجهه البرونزي مرتدياً قميصاً أبيضاً فضفاضاً تاركاً إياه مفتوح من جهة صدره , أطلت من خلاله عضلاته المنحوتة بدقة والتي بدا واضحاً أنه لم يكن ليحصل عليها إلا بعمل شاق , يضع حزمة بها أشيائه خلف كتفه الأيمن ويركز بصره الرمادي المتفرس على ذلك الإعلان ينظر إليه كمن يخترقه كمن يفهم المقصود من حفر هذه الأحرف على تلك الورقه المهترئة ، بدا كشيخ حكيم أدرك من الزمان مالم يدركه غيره ، يكتسيه الغموض ويعلوه المهابة وهو لا يزال في ريعان الشباب ، خطف تفكيره صفعة باردة من هواء مدينة بيرك المشبع برطوبة البحر وأثار بذلك هيجان شعره البني ليتعارك مع النسائم ، مشى بمحاذاة الميناء , إلى الطريق الذي سيأخذه نحو قوافل التجارة المتنقلة والتي ستقله نحو قريته الصغيرة القابعة في أواخر الغابة
قرية سينا ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مستمدة من تقويم العجيري سنة 2010 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تمضي السنون وتمر الأيام
ولا ندري أي الغيب قد كتب في طريقنا , ولكننا وبكل صبر نتابع حياتنا ننتظر المجهول , ونأمل بالجديد خيراً
البعض يرى السنين الماضية مرت كلمح البصر
والبعض يراها كانت كالقرون
هي متفاوتة بمشاعرنا ولكنها متساوية في قدرها
وعلى ذكر السنين !
مرت ١٦ عاماً منذ ما رآه السيد هنري قبل قليل ....

ــــــــــــــــــــــــــ

كالعادة فقط , كل شيء أصبح معتاداً من قبله ..
يقف هادئاً وغير مبالي تماماً بالحال الذي هو به , يرتدي سترته الطويلة ومائلاً بوقفته بلا أدنى اهتمام وبين الفينة وأختها يحرك شعره الأسود الحريري لتعود خصلاته العنيدة والتي يبدو كما وأنها استمدت ذلك العناد من صاحبها صعب المراس لتعانق جبينه الأبيض من جديد , تأفف بصبر قد نفد وأشبع ناظريه بكل ما يحيط به باستثناء رجل بجانبه الأيسر قصير قبيح الوجه ضخم الشاربان أحمر الشعر والذي تخلله بالفعل بعض الشيب وبجانبه فتى ربما نسخة أطول قليلاً منه هما بكل تأكيد أب وابنه , هذان الاثنان قد تم تجاهلهما كلياً , لم يكن يريد لحدقته السوداء أن تتلوث بمنظريهما , أعاد ببصره لما حوله ابتداء من المكتب الذي أمامه المليء بالأوراق والمستندات والذي يجلس خلفه رجل في أواخر الثلاثين من عمره ذو شكل وقور وذاك الأخير يتحدث بصوته الجهوري , صوته الذي لا يزال يطرق بالرعب في قلوب محدثيه ، ماعدا صاحبنا على الأرجح , فكل شيء في هذه الحياة صار سيان عنده ، منذ أن اغتصبت سعادته وانتشل من قعر الطفولة إلى قمة الكهولة بقهر وظلم وهو لا يفاجئه أي جديد ... أمعن ناظريه السوداوان المتجمدان بوجه محدثه ثم تحدث بصوته الرقيق ذو البحة العميقة

" كذبة إبريل  "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن