《 لا يزهر عالمنا إلا بعد شتاء طويل 》
"ها هي مثلجات الفانيلا"
عادت ماري لتجلس بالقرب من الطفلة التي توقفت عن البكاء حالما أقنعتها الكبرى بأنها ستشتري لها المثلجات. أخذتها ماري لحديقة المنطقة والتي كانت كئيبة للغاية بدون اللون الأخضر ودرجاته، لكنها ما زالت تحتفظ بشكلها القديم وتفاصيلها كلها.
ناولتها مثلجات الفانيلا بابتسامة لطيفة "استمتعي بها"أخذت الطفلة المثلجات لتسأل بلطف "ما هي المثلجات التي طلبتها يا آنسة؟"
تأملت ماري المثلجات الرمادية في يدها لتتنهد، لم تدرك ماري إلا الآن أن الألوان التي لا ننتبه لها في أغلب الأحيان تغيّر نظرتنا للأمور. سيكولوجية الألوان لم تكن كذبة بعد كل شيء.
"الفراولة، على ما أعتقد"ببراءة استفهمت الصغيرة "أليست مثلجات الفراولة وردية؟ هذه ليست كذلك"
رفعت ماري عينيها لنسختها الصغيرة لترفق ابتسامة صغيرة وحاجبين مقوّسين "صحيح"
ولكنها تفاجأت أن مذاق المثلجات لذيذ! يبدو أن ألوان العالم قد سلبت، ولكن كل شيء بقي كما هو.
بالتفكير في الأمر، ماري مصدومة من نفسها وربما فخورة! لم تتوقع أن تواجه أحد أكبر مخاوفها .. و،
وعدها للصغيرة بحمايتها، كان ذلك مبتذلاً بعض الشيء، ولكن هذه كانت مشاعرها الحقيقة -التي كانت تكبتها لسنوات-. شعور الإفصاح عمّ تشعر به فعليّاً وعدم كبح الغضب كان ... رائعاً. تمنت ماري أنها كانت أكثر مصداقية مع الآخرين عن نفسها، لكنها دوماً ما كانت تخشى عدم إعجابهم بحقيقتها.قاطعت الطفلة أفكار ماري لتقول بنبرة حزينة وأنف أحمر "إن أبي ليس كباقي الآباء"
لم تتكلم ماري أو تبدي أي ردة فعل. هي ظلت صامتة وتتأمل الحشائش والشجيرات الرمادية أمامها .. آخر ما تريده الآن هو الحديث عن الشخص الذي كان يرعبها في صغرها.
"إنه يصرخ، ويفضل الصغار علي. هل شعر أخي الكبير هكذا عندما يجبره أبي على أن يعطيني دراجته؟ أشعر بالذنب"
أدارت الصغيرة رأسها لماري التي لم تتحرك حتى، كل ما رأته هو نظرة تملؤها الحزن. أخذت نفساً عميقاً ثم أنزلت رأسها لتقول "صحيح. الناس لا تحب الاستماع لمشاكل الآخرين. عليّ أن أبقي هذا لنفسي"فتحت ماري عينيها مدهوشة، ولكن سرعان ما تذكرت كلام والدتها المثالي عن الاحتفاظ بالحزن لأنفسنا وعدم إظهاره للآخرين لكي لا ينزعجوا منا. جزء من كلامها صحيح، ولكن هل هو صحي؟
تنهدت ماري، وبعد تردد قررت أنها ستستمع لهذه الطفلة. هي صغيرة للغاية على ألم الكبت على أي حال.
التفتت لها وبصعوبة أظهرت الاهتمام، تحدثت بهدوء "أعلم أنهم أخبروك أن الكتمان أمر جيد، لكنه ليس كذلك حقاً. أنا سأستمع لك وبإمكانك الحديث عن كل ما يزعجك. أنا لن أقاطعك وسأتفهم وجهة نظرك مهما كانت، لذا لا تقلقي وباشري بالكلام"
طمأنتها بأن ربتت على ذراعها بلطف، وقررت مواجهة الألم والذكريات. هي لن تهرب. هي ستقاوم حتى تحمي هذه الصغيرة.وبالفعل، كأي طفل كثير الكلام، طرحت الصغيرة كل ما في جعبتها. كانت تبدو متأثرة للغاية بكل الأحداث السلبية التي واجهتها في تلك السنّ الصغيرة، ولسبب ما كانت ماري تتحامل على نفسها وتنصت لكل شيء دون الهروب. كان ذلك موجعاً ومرهقاً.
ولكن شيئاً فشيئاً، صار تقبل حقيقة الأمر أسهل. أهذا بسبب أنها تفكر بعقلانية الآن كونها بالغة؟ أم أن سماعها للأحداث من شخص آخر جعل الأمر يبدو .. أخف؟
هي بطريقة ما تقبلت ما حدث لها سابقاً، ما الفائدة من لوم شخص آخر على شيء حدث سلفاً؟ ما الذي سيتغير إن فعلت ذلك؟لا شيء.
تأملت ماري الطفلة التي صارت أهدأ، بدأت تتكلم عن هوايتها وما تحبه. لقد توقفت عن الحديث عن والدها القاسي.
هي شعرت بشيء من الراحة عندما أحست أن الصغيرة نست ما يؤلمها وباتت تركز على ما يسعدها. هذا لطيف. إنها تتحدث الآن كأي طفلة في عمر التاسعة، وهذا مطمئن.'أعلم جيداً أن كل ما كنتِ تحتاجينه لم يكن إلا قلباً ينفتح لك بلا حدود أو شروط. أنت تبحثين عن بيئة هادئة ومتقبلة .. أنا...'
"آنسة! مثلجاتك بدأت تذوب!"
"اوه"
نقلت ماري نظرها من الطفلة إلى مثلجاتها وردية اللون. لحظة! إنها ليست رمادية!
وضعتها كلها في فمها حتى تنقذ ثيابها من قطرات المثلجات الذائبة، ليتجمد عقلها ويراودها صداع لحظي قصير المدة.انفجرت الطفلة ضاحكة على مظهر ماري الفكاهي لتتوقف ماري للحظة مستمعة لضحكتها اللطيفة. شعرت أن فصل الربيع حلّ في كل أرجاء قلبها. قلبها أزهر وانشرح. هي ابتسمت سعيدة، وهذه المرة، لم تكن تزيّف ابتسامتها.
---
أنا متأكدة الآن أن الأمر كله يدور حول هذه الصغيرة.
لا أصدق أن مثلجاتي استعادت لونها الجميل في عالم فاقد للمتعة والألوان المرحة.حتى وإن كان وعدي السابق مبتذلاً، إلا أني أريد حمايتها وسماع ضحكتها اللطيفة والمفعمة بالحياة.
سأحمي هذه الضحكة الظريفة، وسأرعى هذا القلب الأبيض الصغير.أنا بجانبك، ماري الصغيرة.
أنت تقرأ
《 صدى طفلة 》
Adventureأسمع صدى صراخها البعيد كل يوم، ولكني أهرب من مصدر الصوت الذي يقيدني بماضٍ أريد أن أنساه. أجد نفسي فجأة، عالقة في عالم كئيب رمادي .. وأمامي تلك الصغيرة المتزعزة، بعينين مسكورتين مستغيثتين، تطلب النجدة. لكني لسبب ما أبغضها وأتمنى اختفاءها، فأقسو عليها...