١١- على الوِد تعاهدنا ‹النهاية›

649 128 175
                                    

غربتَ الشمس عندما غربوا معها،
انتهيا كأنهما لم يسكنا الأرض أبدًا،

عندما عاد جون المنزل و لم يجد أيا منهما ارتعد داخله، لكنه قرر الانتظار قليلا علّهما سيأتيان قريبا، و كان من المحزن أنه انتظر أكثر من الساعتين و لم يظهرا!

قرر الخروج و البحث بهدوء و رزانة، فسأل الجيران و الجميع من حوله حتى كاد يسأل الحجارة في الأرض و لم يعطيه أحدهم جوابًا شافيًا.

جلس يفكر أعلى صخرة وحيدة على جانب الطريق، كان يحارب خوفه ألّا يتضاعف و ما بيده حيلة فسقطت دموعه و بدأت يديه بالارتجاف،
هو فقط يريد أن يضم ولديّه..

- عمي جون!
جاءه صوتٌ ناعم من خلفه، كانت روزالين صاحبته.

مسح ماء حزنه بكفه المرتعش و ابتسم لها يقول:
- مرحبًا بكِ يا ابنتي، هل تريدين أية مساعدة؟

- أظن جيمين و تايهيونغ مَن يريدا هذه المساعدة يا عمي.

انتفض من مكانه بهلع و أمسك كتفيها ثم أخذ يهزها بينما يسألها:
- هل تعلمين أين ذهبا؟

أومأت له و التمعت عيناها بالدموع، و نطقت من بين غصتها:
- لقد.. ااه.. أقصد.. كانا عند المنحدر المهجور..

ابتسم بسعادة كبيرة كمَن وجدَ أخيرًا وطنه الضائع بعد شهورٍ من التيه،
و أمسك كفتها يغمغم:
- دعينا نذهب لهما إذن.

لم تتحرك روزالين إنشًا واحدًا إنما بدأت تتعالى شهقاتها و تنتحب بقول:
- أنا آسفة أنا حقًا آسفة.

- اشرحي لي ما الذي يحدث ما سبب بكائكِ يا روز؟

ابتلعت ماء جوفها و حملقت ساهية في الأرض ثم شرعت تقول:
- وقتُ الغروب.. لقد كنتُ أتتبع تايهيونغ لأنني أردتُ إخباره بشيء ما، و بالصدفة كان هو الآخر يتتبع أخيه جيمين.. نهاية الأمر لقد انتحرا قفزًا من أعلى المنحدر!

طنّت آذان جون في تلك اللحظة، و أخذت وساوسه تتحدث بصخب أن روزالين كاذبة، لكن لا دافع لها من الكذب عليه حتى..

شرع يركض بلا توقف و أمله الوحيد هو أن يصل المنحدر بسرعة، كان يقع عندما يتعثر بحجَرة صغيرة و ما ينفك حتى ينهض راكضًا أسرع من ذي قبل، حتى وصل..

المنحدر خالٍ.. و مهجور كعادته المميتة التي جعلته مقروفًا بشدة.

- جيمين؟ تايهيونغ؟ أين أنتما!

تهاوَى على الأرض الصلبة بركبتيه عندما وجد خاتم تايهيونغ الذي أهداه له مُلقى عليها بإهمال، أمسكه و رجفة يديه لم تختفِ بل ازدادت أكثر..

- لماذا؟

- لمَ على كل هذا أن يكون حقيقيًا!

أخذ يتمخطر بتباطؤ تجاه حافة المنحدر كان يبدو كمَن يرقص على الألحان لكنه في النهاية دُمية تعيسة مكبلة بالأغلال، كان مكبلًا بأغلال الواقع الدنيوية..

أدلى برأسه للأسفل، كان المنظر ضبابيًا يدل على بُعد المسافة، كان طامحًا أن يرى حتى جثتهما لكن هذا بدا مستحيلًا.

كانت صدمته قوية حيث أنه كان أمس يفتقد مارين و اليوم يموت أولاده، أي عدل هذا؟

- لترقدا في سلام، فلترقدوا جميعًا في سلام.

عاد بجذعه مجددًا و افترش البسيطة متسطحًا عليها ينظر للسماء بينما عيناه لا تتوقف عن ذرف الدموع، كان يقيم مراسم تشييع جثمانهما الغير موجودين في ذهنه بحزن وجهه.

عندما عاد المنزل، لم يعرف كيف عليه أن يخبر الناس و بأي طريقة أن ولديه انتحرا، فقرر نشر الخبر في جريدته بنفسه ثم اعتزال المهنة فلم يعُد هناك مَن يُتعب ذاته لأجله، لقد ماتوا و تركوه جميعهم.

أمسك أوراقه و قلمه ثم ولج غرفتهما، كان عبقهما ينتشر في المكان فتذكر أول ظهور لهما على تلك الدنيا التعيسة، اقترب من السرير حيث كانت هناك لوحة كبيرة تستكين أعلاه،

كان تايهيونغ قد رسمها أو رسمه و جيمين سويًا بالمعنى الحرفي..
انتحب جون مجددًا فوق اللوحة لقد كان تايهيونغ يرسمها منذ ليلة أمس و انتهى منها اليوم! قبل انتحاره، كم هذا مؤلم.

بعد صعوبة مسكه للقلم أخيرا نجح و انتهى من كتابة تعزية نفسه لأولاده، و طلب نشر الخبر مع الجريدة في الصباح الباكر حتى أنه سلّم دار النشر لمساعده، و عاد للاعتكاف في بيته و التغذي على ذكريات مَن أحبهم أكثر من نفسه و ماتوا.

----

١٩٢١م.
جريدة حي الأخبار..
'بكل أسف سيكون هذا الخطاب نعيٌّ لوفاة أبناء مالك الجريدة 'كيم تايهيونغ، جيمين'، حيث انتحرا سويًا ليلة أمس و لم يتم العثور على جثمانهما حتى الآن.'

كان هذا النص مُرفَقًا مع لوحة تايهيونغ لكليهما.

و تداول بين الناس أن جون لم يخرج من بيته بعدما نشر خبر انتحار ولديه، و لم يرحب بأي ضيف أراد التعزية حتى أنه لم يكلف ذاته عناء الرد على أي منهم،

فلا يدري الجميع أ ماتَ، أو سافر لبلد بعيد دون ملاحظتهم!
لكن جَلَّ ما يعلموه أنه وحيد و لا يوجد مَن يكون جواره،
و لعل انتهى به المطاف منتحرًا مثل جيم-تاي،
أو ميتًا مثل مارين.
و أي كان ما سيواجهه فسيكون وحيدًا حيث لم يعُد هناك وطن له.

عاش بين أولاده و رباهما على الوِد..
فتعاهدا عليه في السرّاء
و ماتا به في الضرّاء.

-------

تمَت بحمدِ الله
٠٥-٠٢-٢٠٢٢م.
- شكرًا لتواجدك بين أسطري.

منحدرُ التسعين✔︎حيث تعيش القصص. اكتشف الآن