- كيرا.. كيرا.. كيرا..
كان ذلك فرانز، لكن لماذا يبدو الأمر كما أنه يناديني من داخل بئر ما..
آه! لقد مر وقت طويل لم أشعر فيه بهذه السكينة! عطر الزهور التي تحيط بي زكي للغاية، لكنه لا يضاهي رائحة حَلى القرفة وشاي القرنفل، اللذان ينتظراني أسفل هذه التلة.. إنهما تماماً كما اعتادت أمي على إعدادهما!
أحمل كأس شاي، وأشمه أولاً قبل احتسائه.. إنه رائع! لماذا يتملكني الحنين؟ نظرت إلى المنزل الذي يبعد عني عشرون مترا تقريبا، ثم صرخت:
- أمي! شكراً لك!
- لا تتأخري بالعودة، سيغضب أبوك إن لم يجدك بالبيت بحلول الظلام!
- طيب!
بعد دقائق، سمعت خشخشة وراء شجرة الزيتون التي تقابلني.. لقد خرج من مخبئه قط لطيف للغاية، خمري اللون ممزوج بقليل من الأبيض، عيناه صفراوان كخاصتي ثعبان، ومواءه رقيق ذكرني بأخي الرضيع. ضحكت بمرح ثم بسبسته، لكم أحب القطط! لقد تقدم نحوي دون خوف، فمنحت له قليلا من الحلى كي يأكلها.. كان واضحا أنه جائع! أليس ظريفا كيف يحرك لسانه كي يمسح ما تعلق من الحلى حول فمه؟ لقد مرت بالفعل خمس سنوات منذ أن قررت تربيته، أبي لم يوافق بالبداية لكنه أُجبر على ذلك فيما بعد.. الآن، أبي هو أكثر شخص يحب هذا القط.
فجأة، دوت عاصفة قوية فهرب القط. حاولت أن أتبعه لكنه في النهاية اختفى وضيعت طريقي بالعودة. كان دخان كثيف هو ما اتبعت كي أصل للبيت، تماماً كما رأيت في قصص الكرتون..
لقد وجدت أن منزلنا قد صار رمادا.. الدخان كانت رسالةُ منه ليس إلا..
هل يا ترى، تمسك أهلي إلى اللحظة الأخيرة بفكرة أني قد أعود وأنقذهم؟ لقد عذبتني هذه الفكرة طويلاً... طويلاً...
لكن ألم يحدث كل هذا منذ زمن طويل جداً؟
- كيرا..
التمريض.. سأكون ممرضة!
سأكون ممرضة كي أستطيع أن أكتب عن بؤس الناس..احفظي دروسك أولاً!
لا تدعِ المتدربين يلمسونك، إنهم يتعلمون عليك وأنت لست فأر تجارب!
الممرض ليس عبد الطبيب.. الممرض عبد الطبيب..
ماذا بوسعك أن تفعلي على أية حال؟
لا تثق أبداً بالمريض!
لا تثق أبداً بعائلة المريض!
لا تثق أبداً بالطبيب!
لا تثق أبداً بالدواء!
لا تثق.. لا تثق.. لا تثق..كن شجاعا! اطرح الأسئلة!
لا تجرؤ! لا تكن فضوليا!- سأكون ممرضة!
- لماذا؟
- ك.. كي أكون هناك بجانبهم، وأتشرب تعاستهم وألمهم.. سأكتب عنهم، وأبرهن أنهم ليسوا وحيدين، أن هناك من يفهمهم..
- essayez d'être des vrais infirmiers*
حاولوا أن تكونوا ممرضين حقيقيين.سأقـ..
ما الذي يحدث؟في رمشة عين، أصبحتُ في أعماق البحار، أغرق ببطء بينما أشاهد قرص الشمس بوضوح يرمي سهامه على سطح المياه فتخترقه.. زرقة داكنة تحيط بي، وكلما غرقت أكثر، كلما ازدادت درجة الظلام، فاستبد بي الخوف وحركت رجلاي وكتفاي محاولة أن أسبح للسطح لكن دون فائدة..
لماذا ظللت أسوف دروس السباحة؟
- كيرا..
كان ذلك الصوت.. مختلفًا..
- كيرا..
إنه ليس فرانز.. نظرت خلفي لكن تيارا مفاجئا ضربني وحال دون رؤيتي لمصدر الصوت.
لما هدأت المياه، عاد ثانية يناديني، الصوت يأتي من كل الجوانب هذه المرة..
- أين أنت؟
- أنا هنا..
أجاب..نظرت للأعلى، فرأيت جسدا عاريا يسبح قريباً مني. لم أستطع أن أتبين ملامحه بسبب أشعة الشمس، وفي حين أنه هو بقي مكانه، أنا كنت أغرق أكثر وأكثر..
مددت يدي نحوه، كي يتقدم فيشدها ويجذبني نحوه. إنه شاب في العشرينات، أسود الشعر، وسيما، ضخما مفتول العضلات.. سألته، وكان وجهه مألوفا:
- هل أعرفك؟
- من يدري!
سبح بي نحو الأعلى، وكان سريعاً ماهرا، والأهم من هذا كله أنه جعل قلبي يطير داخل صدري كفراشة خرجت من شرنقتها للتو..
- كيف عرفتَنِي؟
بابتسامة لطيفة قال:
- كيف لا أعرف من أعطت لي اسما، عائلة، حبا، حياة، وقبل كل شيء، دور البطولة في قصتها؟- د.. دوريان؟
- فلتعيشي، يا كيرا!
- كيرا!
أنت تقرأ
Keira Gray | كِيـرَا غراي
Romanceهل تُـؤمِن بالصُّدفة؟ أما أنا فَـلَا. أي تشابهٍ بينَ هذه القصةِ وحَياتِي هو مِن مَحض الصدفَة.