عند توالي النَّكسات على زُجاجي، فُطرت. وعند قارعة طُرق دواخلي، خرت.
جلستُ على رصيف أيامي فُرادى، وشَكوتُ فرط الألم وسط أنقاضي.
عند خمول جوانحي تأمّلت وقتي الآني.. وجدتني أعيشُ مع حزني مرحلة رُكود، لا ثَوران، ولا هَيَجان، غَدت مَواجعي خامدة، ذاك الألم الّذي اختطف منّي البَوح ومَنعني من البُكاء حتَّى، ذاك الشَّجى الّذي اقحمني في زوبعةٍ من السُّكون، وبَلاني بآهاتٍ صامتة.
بتُّ استفيق بلا حماس، لكنّي أُقاوم يومي أقلّها. أختلي بنفسي ساعات طويلة، لكنّي أُواصل الخروج كل يوم من غرفتي أقلّها. أُعاقر الصَّمت في حضرة صَخَبي، لكنّي أواصل التَّحدّث مع الآخرين، وأجشَمُ طاقتي إبتسامة. يتقطّر مِنّي الأسى، لكنّي أزخ ابتهاجًا مع النَّاس قدر استطاعتي. أواجه مصاعبي كي لا أصَب بِنَوازِل الوَجيعة، لكنّي متيقّنة بأنّي سأسمع جَلجلة انهياري لو زادت عَلي رَجم المواجع حجرة واحدة.
هناك عادة تعود أصولها لليابان، تقول ما انكسر إلّا لِيُصلح بشكلٍ أفضل من السَّابق، إذ أنّهم يمزجون الذَّهب لِمَلئ الصُّدوع، والتحامها. هكذا زُيّدَت قيمة الشَّيء، وصارَ أثمنًا. قررتُ تطبيقه على مَناكبي الهامدة، عساني أحصدُ ثمرة تُشغلني عن مصابي، مؤقّتًا.. ربما.
أدركُ جيّدًا أني سأزيل الحجاب عن صمتي ذات يوم، وأنوح باكية، شِئتُ أم أبيت. لكن ما الحِيلة مع هدوء محيطي؟ الأمر يُرعبني، ويثير فضول حَفيظتي.
أشعر بأن السَّماء تطبق على صدري وتطوي روحي عِدَّة طيّات، لا تقتلني ولا تقيمني كما كُنت. كأن أبجدية كاملة تقف عاجزة عن مَد العَون بحرفٍ واحد..
ثرثرتي الصَّامتة مع الطَّبيب باتريك هي مواساتي الوَحيدة، من الجميل وجوده في أيامي المَريرة. الجميع يُدينني بالاستسلام ويلومونَني على الانطفاء، عَداه. لا أحتاج أن أبث إليه نَشرَة صَدري، فَهو يُجيد فهمي.
وقوفي في مَهب الرِّياح طويلًا قَشعَرَني، وهَزَّ بَدَني من البَرد. لم يُخبرني أحدهم بالدُّخول، حتّى شرطة المشفى الواقفة عند البوابة رغم رؤيتهم للقنينة (الكانيولا) الّتي تعانق سطح يدي. الأمر مثير للسخرية والضَّحك، لستُ بحاجة أحد يُملي عَلَي ما يجب فعله، كنتُ سأدخل على أيِّ حال، ولكن لِما يرمون أمانة عملهم عرض الحائِط؟
ماذا أنتظر من مجتمعٍ عقيم الفكر؟ الإنسانيّة!
-قَطعًا.
عاودتُ تغطية وجهي بالكَمّامة ودخلتُ للمشفى، عدتُ أدراجي للمَهجع، وجدتُ والدتي بانتظاري عند الباب. وصلت لِنُقطتها وسرنا سويًّا نحو سريري، فيما قالت:
«أتى الطَّبيب باتريك بعد ذهابك، قال إنّه سيعود لاحقًا لتفقّد وضعك».
جلستُ على السَّرير ونزعتُ الحذاء، ماذا أخبرَهم البارحة يا تُرى؟
أنت تقرأ
نَغَم
Short Storyكلّما اقتربتُ من الباب الرَّئيس تعالَت أصوات حَبّات البَرد، وزادَت جُرعة حماسي لِأصل. ضربني الهواء البارد، وتسرّبَ في ملابسي. كانَت تهطل بغزارة، ولوّنَت الأرض بفرشاةٍ بيضاء لطيفة للناظر، أمّا وجهي فقد تبلَّل قليلًا بفعل تساقط المطر معهن. بَسَطتُ يدي...