بَوح

24 1 0
                                    

الألم يضربُ صَداه في داخلي..

دودة أفكاري تأكل أوراق راحَتي، وتثقب صَدري كي تُشبع مخزونها مِنّي، ما عَلمَت أنّي نبتة مسمومة تجرّعَت عَلقم الحياة، وتشبّعَت تُرَبي بالأسى.

كنتُ أتضور دَعة تجري بشراييني، وتَصب في عُمق رُوحي. لكن حرائِقي لم تنَل كفايتها من ضَرمي بعد، وما عرفَت الهُدَن. بِتُّ أرضًا محترقة، تتصاعد مِنها أدخنة دامغة، ويفوح مِن صَميمها عَنابر فاجعة.

إلى متى سيمكنني الصُّمود؟ هذا السُّوال يُحيّرني.

أريد الهروب من هنا، أهرب قبل فوات الأوان، قبل أن يجدني البؤس مجدّدًا، أن أفِر دون حقائِب أجرّها خلفي.

لا أعلم كم من الوقت وأنا متكوّرة على نفسي بهذه الوضعيّة هكذا، كنتُ ساكنة، خاوية، ساهبة في الفراغ، مرهقة..

قرّرتُ النُّهوض بمعاونة ذراعَي، داهَمني الدُّوار ما أن رفعت رأسي مِن مَثواه، وضُرِبَت الصَّافرات بأذنَي. شعرتُ بضغطٍ هائِل على رأسي، كأن مصيبةً حدثت وعليَّ إجلاء جَم ما لقمته مِن أحداث بداخلي منذ ساعات. كل شيء من حولي يدور ويدور، والصَّافرات لم تعدل عن قرارها بالتَّوقّف، مُستَميتة بفقدي الإحساس بكل شيء عَداها. غطيتُ أُذنَي بِيدَي، أظن أنّها ضريبة إسرافي بالتَّكويم.

عقب دقيقة تقريبًا هَدَأ رأسي، وهَوَيتُ على وسادتي من التَّعب. مجدّدًا عاقرتُ التَّفكير بمُبالاة، ليس وكأنني انتظرتُ منهم ردّة فعل حصريّة وحديثة في نَهجِهم معي، لا بأس بذلك حقًا، لكن هذه المرّة صدقًا وددتُ لو يتغيرون قليلًا.

أخذتُ هاتفي من جانب وسادتي، ودخلتُ إحدى تطبيقات التَّواصل الاجتماعي، وجدتُ بعض الرَّسائل. تنهّدت، لم أعُد احتمل إخفاء الأمر، نقرتُ خانة الكتابة للنشر، ورحتُ أُدَوّن أنباء حالي.

كنتُ أتواصل مع الجميع بقناعٍ إلكتروني مُبهر، ولم أُخبر أحدهم عمّا حصل لي، وأعني بالجميع هنا مَن هُم خارج نطاق مقر عملي. لم أُرد زيادة العبء على نفسيّتي بسؤالهم عن مَرَضي كل مرّة أثناء محادثاتنا، لأنّي متأكّدة من حدوث ذلك. بالكاد أتعامل مع الأمر، وأنجو كل يوم بشَتات روحي. لم أرد مزيدًا من الألم بتذكيرهم لي، وأنا الّتي تجري لِتقتات لحظات تُسكِر وَعيي عن مَصابي.

ذاك التَّطبيق تحديدًا، فيه من معارفي قلّة محدودة تُعَد على أصابع اليَدَين، أمّا البقيّة فهُم كُتّاب وقرّاء من تطبيق الكتابة الّذي أستخدمه.

تركتُ هاتفي بعدئذ، ونمت.

أُقدّسُ وقت النَّوم رغم مجافاته لي أحيانًا، أصبح مَلاذي الّذي أحتمي به مِن نفسي الجريحة. صحيح أنّه بعد الاستيقاظ لن يشفي غَليلي، لكن لِجزءٍ من اليوم هو عَليلي.

استيقظتُ على صوت فتح باب الغُرفة، ثم غلقها بعد قليل. لِما واللَّعنة يقتحمون المكان هكذا! ما أمر عداوتهم مع الباب؟

نَغَمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن