صيف ضبابيّ

371 21 22
                                    

         

            معَ دخُول شهر حزيران، في  فصلِ الصيف الحارِّ،  ذي  الأمطار الغزيرة و أشعَّةِ الشمسِ الساطِعةِ، يكونُ الاستِمتاعُ بـ رحلةٍ إلى الشاطئِ، أو تناوُل المثلَّجاتِ البارِدةِ و قضاء وقت تحت المطر أفضَل ما يتَبادرُ إلى أذهانِنا  .. أو هذاَ ما يتَبادَرُ إلى أذهانِ الطبيعِيينَ منَّا، على غرارِ "جوسِي كُوميكُو "  ، ذات الأعوام الأربعةَ عشرَة، محدقَّة إلى مرورِ العامَّة من النَّافذَة المُحاذيةِ للمقاعِدِ الجلدِية البُنيَّة؛ منتَظِرةً الوقتَ الذِي ستتِمُّ مناداتُها فيه.

  ذلكَ الصمتُ الذِي اجتَاح عقلهَا، وَ من دون سابِق إنذَار، قوطِع صمتُها المجيدُ من قِبَلِ المُمَرضة التي نادتْ عَليها:
-"جوسِي كُوميكُو؟"
أجفَلت لِلحظةٍ ثمَّ ردَّت مغَادرةً مقعدَها:
- " أنا هنا"
- " الطبيبُ بانتظَارِك"
مرَّت بالممَرضةِ دون أنْ تردَّ على آخر جملِها، متَّجهةً نحو غرفة الطبيب.

طرقت الباب بهدوءٍ، ليأذنَ لها بالدّخول.

-"كيف حالك كوميكوُ-سان؟ " سألها منتظرا منها خبراً قد يُسعده.
أجابت باعتياديةٍ أَلَفَها:
-"أبيض و أسود ".

-"ألمْ تساعدكِ العدسات؟ "
-"ليس حقاً"
أردفت بـ عبوس اختلط بكلماتها:
-"تاكايوكي-سان، لا تحمِّل نفسك بشأن عيوبي الخُلُقية. "
دهشة طفيفة عبرت ملامحه، ثم ابتسم ابتسامة متكلِّفة، لِـ يقول:
-"كوميكو-سان، أرغب حقاً بتخليصك من الأبيض و الأسود، أرى أنك واحدة من بين أربيعين ألف ولادة حية وأمثالك، يجب أن تحظوا بفرصة للتمتع بألوان الحياة. "
-"أشكرك حقاً.. على عدم الإستسلام، رغم أنَّنا نُدرك جميعاً أنه لا علاج له، حتى لو كان مُكتسباً. "
استشعر الحزن في كلماتها، وكان يتمنى و لو على الأقل أن تستطيع الرؤية في النهار، فبادر بسؤالها:
-"كوميكو-سان، ماذا عن الرؤية خلال النهار، هل ترين جيداً أم أن الصورة ضبابية؟ "
أجابت ببهجة امتلأت الغرفة بـ صداها:
-"هذا هو الجزء الجيد في الأمر! لم أعد بِـ حاجةٍ لاستعمال نظارات شمسية! "
شاطرها غبطتها قائلاً:
-"يُسعدني، يُسعدني حقاً أنك سعيدة.. "
وقفت مبادرة بالمغادرة، بالفعل ليس لديها ما تناقش به طبيبها، لذا بادرت بطلب المغادرة.

---------------—-———

لطالما كانت مولعة-في صغرها-بالمناظر الطبيعية والغابات والجبال، لذا اتخذت طريق خالياً قرب الغابة مساراً لعودتها.

-"لقد عدت"
-"أهلاً بك عزيزتي، كيف كان موعدك مع الطبيب؟ "
كانت تصعد الدرج نحو غرفتها، لذا لم تُكلف نفسها  بسؤال والدتها:
-"مُريعًا"
قلقت الواقفة بشأن ابنتها، لو أنها كانت أكثر حذراً لما كانت-الفتاة-تعاني.
-"عزيزتي، توقفي عن التصرف بهذه اللامبالاة. "
استدارت نحو والدتها وهي تنتفض:
-"أه! حسنا أُمي! "
شرعت بالصعود بسرعة كي لا يتم إقامة محضر تفتيشيٍ لها.

عمَى أَلْوَان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن