في الغرفة ذاتِ الجدرانِ المطليةِ بـاللون الأبيض، كانت أزهار الكاميليا و اللافندر تعانقُ سرير الفتاةِ النائمة، و علبُ الشوكولاتة الغالية التّي يختلسُ الموظفون منها دوماً، كانت تتردّد على مسمعيْ جوسي ضحكاتُ زُملائها، الذّين بدأوا بـزيارتها مؤخراً.
صوت صرير البابِ المزعج دوّى في الغرفة الضيّقة، بينما كان جسد النائمة موصولاً بعدّة أجهزة، من بينها الذي يراقب نبض القلب.جلس في الكرسيِ الخشبي بـجانب سريرها، و ألقى بـنظره نحوها، ثم انحنى بهدوء واضعاً رأسه بين كفيه، حين أخذت دموعه خديه مجرىً لها نحو الأرض، و اُصدرت عنه عدة شهقات متتالية، أخرج معها ألف صرخة و صرخة كانت مخبأة داخل صدره، مبيناً كمّ الألم الذي يجوب قلبه، راح يمسح دموعه بـعشوائية بالغة، استجمع أنفاسه الضائعة و نبس بـصوته المرهق:
-"جوسي.."
أُفلت عنه تنهد عميق، ليرفع رأسه نحوها، لعنَ حظه تحت أنفاسه المضطربة، و ضربت نفسه صعقةٌ مؤلمة نتيجةً لكل ما واجهه، قرر أن يبوح بما يجوب خاطِره لها، فـقال:
-" حين.. أنا.. "
دموعه بدأت تفيض داخله، و هو تركها، أخذت تتفرغ من عينيه دون صوت. هو لم يستطع نقل أفكاره لها، لكن على الأقل أجزاءً منها:
-"الذنب.. الذنب يؤرقني.. ظننتُ.. أنه شيءٌ بسيط فقط.. لكن.. باجي-سان كان ضحيته... "
وضع يده فوق فمه بعد أن خرجت شهقة من فمه، و راح يمسح دموعه المنهمرة، و حين انتهت به الحلول، انحنى ببطء معانقاً جسدها الشبه ميت، سامحاً لنفسه -لأول مرة- بأن يكون بمثل هذا القرب منها.
الإنسان في مثل هذه المواقف، يدرك قيمة كل ما حوله.. يفهم بأن أبسط شيء يملكه، هو أغلى شيء للآخرين، أما.. ألم الفقدِ عظيمٌ، و ما أصعبه حين لا تجد من يعالجه.
توقفت دموع شيفويو، و انتزع رأسه من بين ضلوع جوسي، و غادر دون أن ينبس بكلمة.
حتى بعد مرور عدّة أيام عصيبة على شيفويو، رغبته و ألمه لم يشأ أن يندثر، حتى أنه اعتزل العالم، و ابتعد عن جوسي طوال تلك المدّة، مالم يكن مريحاً له؛ هو تاكيميتشي الذي كان يضايقه -كما يقول هو- حتى لو كان اهتماماً به، فما كان تاكيميتشي يلبث صباحاً أو مساءً إلا و كان بصدد تكليم شيفويو، أو مهاتفته، أو حثّه على الخروج.
شيفويو، كان نادراً ما يستمع له، فرغم أن تاكيميتشي أكثر شجاعة و بسالة منه بنظره، -حتى و لم يكن أكثر قوة- و أقرب لقلبه كـشريكه المخلص، و كونه شخصاً قد غدا مهماً لـ باجي في لحظاته الأخيرة، إلا أن فكر شيفويو عن تاكيميتشي يتخلله بعض الحمق.
كان تخطي شيفويو لرحيل باجي أمراً غير يسير مطلقاً، فما كانت تمر ليلة إلا و هو يتخبط في فراشه، و كانت كوابيسه تنم عن شعوره الدفين بالندم المرير الذي كان يواجهه، فـكل ليلة كانت حرباً نفسية عميقة له، تنتهي بمصابح غرفته مشعةً من قبل والدته، التي تتحسر على حال ابنها، فهي تعلم كم كان يقدر و يحترم باجي.
أنت تقرأ
عمَى أَلْوَان
Short Storyتُرَى... كَيْفَ هِيَ الحَيَاةُ مِنْ دوُنِ أَلْوَان؟ فيِ رحْلَةِ الحَيَاة، نقَابِل مخْتلَفَ الأَشخَاص، الطَّبيِعيونَ وَ غَريبُو الأَطوارِ، لكنْ.. فيِ هذهِ الحِكايَة؛ سيَكونُ لدَيناَ عميَاءُ-نوعاً ماَ-تقُودُ دفَّةَ القصَّة، أتمَنَّى أنْ يُكلِلَها ﷻ...