(الوحدة)وصل عيسىٰ إلى منطقة الحَضرة الشهيرة بمدينة الإسكندرية وجد وسيط التأجير واقفاً في انتظاره بالقرب من ناصية أحد الشوارع الجانبية بوجه مُتحفز للعمولة التي سيتقاضاها إذا نجحت عملية الاستئجار، سار باتجاهه يحمل حقائبه فوق ظهره مثلما يحمل أحلامه المُغتالة، يشعر وكأنه شجرة يتسلقها العراء ومرارة الخذلان المُستقرة بداخله تخنقه وتحبس الهواء في صدره، هكذا تفعل الغربة بالإنسان تجعله ينهمر كالضوء في مصباح مكسور
-(شكلك مدقدق وهاتعرف تسلك فالمنطقة يا ابن عمي).. قالها عبده السمسار قاصداً ممازحته عندما
اقترب منه فرد عليه مبتسماً بمجاملة (البركة في الترام، لولاه ماكنتش وصلت)حثه الرجل على السير ليدخلا شارعاً جانبياً حيث تقع البناية المقصودة قائلاً (نصيحة من أخوك خلي اعتمادك فالمشاوير هنا عالترام، التُكُسة حرّاقة والسواقين هايعوروك في أجرة جامدة لو شموا انك غريب عن اسكندرية)
أومأ له إيجاباً ثم قال (متشكر يا أستاذ جراچ، مش عارف من غيرك كنت هاعمل ايه)
ضحك الرجل على طريقته المهذبة ولدغته التي تظهر بوضوح (انت شكلك ابن ناس ومش وش بهدلة يا ابن عمي)
مد عيسى يده ليصافحه (عيسىٰ، إسمي عيسىٰ حسن)
بادله الرجل المصافحة (عاشت الأسامي يابشمهندس عيسىٰ)
فغر عيسىٰ فاهه بدهشة من معرفته بطبيعة عمله ولم ينتبه لأطراف مسطرة حرف تي الظاهرة من الحقيبة مما جعله يخمن أنه مهندساً ثم قال (عرفت منين إني مهندس ديكور؟، ماشاء الله انت بتعرف كل حاجة)
رفع الرجل حاجبه يقول بتفاخر ليس في محله (محسوبك أدارجي لا مؤاخذة وبنفهموها وهي طايرة)
سأله عيسىٰ (هم مين دول اللي بيفهموها؟، انتم كتير؟)
توقف الرجل أمام أحد البيوت القديمة نسبياً ينظر إليه باستنكار قائلاً (ده انت فالحلمبص خالص) .. أحس عيسىٰ بالغباء والحرج بذات الوقت، وتحول وجهه بالكامل في أقل من الثانية إلى اللون الأحمر وتلك صفة أخرى يتميز بها حينما يتعرض لموقف يخجله بينما صفق الرجل بكفيه وهو يهتف بصوت مرتفع (يا ام نجلاء) .. كرر النداء عدة مرات حتى أطلت من شرفة الطابق الثالث فتاة صغيرة لا يتعدى عمرها العشر سنوات ترد عليه (أمي بتقولك اطلع ياعم عبده)
دخل الرجل من البوابة الخشبية الضيقة يتبعه عيسىٰ بترقب، يطوف المكان بأنظاره، والذي كان عبارة عن بيت مُكون من أربع طوابق، دَرَجه قديم لكنه متماسك وألوان طلاء الجدران مُقشرة بفعل الرطوبة كحال معظم بيوت الطبقة المتوسطة، صغير قليلاً لكنه سيفي بالغرض وأثناء صعوده مع السمسار وصلهما صوت أنثوي قادم من الطابق الثاني، مختلط برنين أساور ذهبية تحتك ببعضها البعض يرحب بهما (يا أهلاً وسهلاً، خطوة عزيزة يامعلم عبده)
أنت تقرأ
رسائل رَوَاء
Любовные романыروح حالمة ورسائل ترصفها الكلمات، وحياة أقبلها بزلّاتها علَّها تقبلني كما أنا، وعيون ترعى وأخرى تُعَرِّي، وقلب بين هذا وذاك يصارع بغريزة قوية للبقاء وظروف صنعت من جوف الضعف مُحاربة .. أي بُنيتي قفي في وجه الأزمات ولا تخشي الهزيمة.. أي رَوَاء القوة خُ...