(هَجيرة بلا دار)
نهار جديد ارتداه عيسىٰ مع ملابسه الأنيقة، وحقيبة ظهره التي يضع فيها خيباته ، وحزنه المُعتق.. نهار عادي أقصى مايتمناه إنسان مثله أن يمر بسلام وألا تظهر أم نجلاء لتعكر صفو صباحه الغير صافي من الأساس، تلك السيدة أضحوكة لا تمت للضحك بصلة، مسخ مُشوه لامرأة غاب زوجها فغابت معه عِفتها وتطبق مثلاً شعبياً دارجاً يصف حالتها عديمة الأخلاق (إن غاب القط، إلعب يافار) .. يعتبرها فأرة ضخمة ، قبيحة مجرد رؤيتها تخيفه وتصيبه بشعور وكأنها ستأكله، فمنذ قدومه مُستأجراً لشقتها البائسة وهو داخل حرب يجاهد فيها على الإحتفاظ بنفسه كاملة، ويدعو دعاءً سخياً في آناء الليل وأوقات الأسحار على من ورطه فيها وجلبها كالمصيبة في حياته .. أنهى روتينه المُعتاد وقام بآداء نافلة ركعتي الصبح وجلس على سجادة الصلاة رافعاً كفيه يناجي ربه (يارب أم نجلاء تتهد وتسيبني في حالي ، أنا غلبان يارب ومش ناقص) .. مسح وجهه براحتيه ثم قال وهو ينهض (يارب أبو نجلاء يرجع من السفر ، يمكن تحترم نفسها وتتلم بعيد عني يارب)
تفحص الوقت في ساعة يده فأسرع ليغادر نحو عمله ، حمل أغراضه وأطفأ الأنوار وفتح الباب استعداداً للانصراف كلياً وياليته ما فتح ، فكابوسه المُتجسد على أرض الواقع يقف أعلى الدرج ..
هتفت أم نجلاء كعسكري دورية شرطة أمسك بلص مُحترف (استنى عندك ياسي عيسىٰ)
اختض جسده مُتمتماً (بسم الله الرحمن الرحيم)
هبطت باتجاهه على عُجالة تحمل لُفافة شطائر بين يديها ومدتها إليه قائلة بابتسامة تُظهر أسنانها الأمامية الكبيرة أو ما يُسمى علمياً بالضَب (أنا عملت لك لُقمة تتقوت بيها، لاجل ما الكالّو اللي عندك ده يروح)
ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وقال بضيق حاول مداراته قدر المُستطاع (مالوش لزوم تتعبي نفسك)
خبطت بكفها على صدرها شاهقة (يالهوي!،ده احنا جيران والجار للجار)
ضغط على شفتيه قائلاً بملامح ممتقعة (أستاذة أم نجلاء أنا مقدر عشرة الأربع أيام اللي مابينا، وبعتبرك في مقام عمتي بالظبط)
فغرت فمها ببلاهة (عمتك؟، عمتك ازاي يعني؟)
رمقها بغيظ قائلاً (عمتي اللي رمت طوبتي بعد ما ابويا الله يرحمه مات، وماتعرفش عني حاجة من ساعتها) .. تراجع خطوة للوراء ببطء مُتابعاً (اعملي زيها وارمي طوبتي ، صدقيني انا مفيش أمل فيا) .. ثم اقترب منها مُجدداً وهمس بجوار أذنها بصوت أخافها (والكالّو بيكبر وهايضيق علينا المكان) .. سَكنت حركتها لثواني شاعرة بالريبة من طريقته وتبادر في ذهنها أنه قد لا يكون مريض كما إدعى بل مُصاب بشئ أكثر خطورة و... ورعباً ، تسارعت أنفاسها قليلاً وسألته بتلعثم طفيف (إنـ .. إنت بتتكلم كده ليه؟)
طرأت بباله فكرة وقرر تنفيذها فوراً مُتأملاً أن تؤتي ثمارها مع هذه المُختلة وقال بنبرة نجح في تغييرها (مش أنا اللي بتكلم ، ده الكالّو هو اللي بيتكلم)
أنت تقرأ
رسائل رَوَاء
Romansaروح حالمة ورسائل ترصفها الكلمات، وحياة أقبلها بزلّاتها علَّها تقبلني كما أنا، وعيون ترعى وأخرى تُعَرِّي، وقلب بين هذا وذاك يصارع بغريزة قوية للبقاء وظروف صنعت من جوف الضعف مُحاربة .. أي بُنيتي قفي في وجه الأزمات ولا تخشي الهزيمة.. أي رَوَاء القوة خُ...