أمام عمارة بشندي - مسرح الجريمة.

47 14 2
                                    

الساعة 04:43 فجرًا.

وصل هيثم أخيرًا، إلىٰ حيث كانت سيارتي مرصوفة بمواجهة العمارة، طرق زجاج السيارة مُنتظرًا أن أفتح الباب له لأدخله، فخرجتُ أنا من السيارة متوجهًا نحو العمارة.

مسكين، لقد اعتقد أنني سأتركه ليستريح!

دلفنا العمارة من بوابتها وصولًا للطابق الأول، فتجاوزنا عن شرائط الشرطة -بصفتنا من رجال الشرطة-، ودخلنا وسط هذا الظلام، مُستعينين بمصباحي هاتفينا، وكان ما فعله هيثم بمُجرد أن دلفنا أن سأل:

- سعادتڪ نسيت حاجة ولّلا إيه؟! طب ما سعادتڪ عارف العنوان!

التفتُّ له وسط ظُلمات الشقة قائلًا:

- إنتَ تعرف إيه عني يا هيثم؟

تلجلج مُتعجبًا هذا السؤال المريب، خصوصًا بتلڪ الأجواء، وفي هذا المكان، وبهذا التوقيت.

- آء، كُل خير، سعادتڪ.

- تؤ تؤ، لأ.. أنا عاوز أعرف الإشاعات إللي سمعتها عن مُصطفىٰ نزية.

بدت من ملامحه أنها لم تكن إشاعات مُرضية، كالعادة، فساعدته أنا:

- ...طبعًا سمعت إن مُصطفىٰ نزية ده مجنون، بيشوف حاجات محدش غيره بيشوفها؛ بس في الحقيقة في حالات كتير جدًا لناس بتشوف حاجات مش بنشوفها.

ثم التفتُّ عنه بأرجاء الشقة مُرددًا بصوتٍ يصل إليه بمكانه:

- ... يعني مثلًا عمىٰ الألوان، الناس المُصابين بيه بيشوفوا ألوان إحنا مبنشوفهاش، أو العكس، التليسكوبات أو المجاهر، بتُتيح لِلّي شغالين عليها يشوفوا حاجات إحنا مبنشوفهاش.

قبل أن أتوقف لألتفت له.

- طول ما الحالة إحنا قادرين نفهمها وندرسها، بنعتبرها طبيعية، إنما لو مش فاهمينها.. بنقول اضطراب، أو مُشكلة نفسية؛ وآديني قُدامڪ أهو!..

ثم فتحتُ يديَّ أمامه قائلًا:

- طبيعي جدًا، مش كدة؟!

أومأ برأسه علامة الإيجاب بنفس ذات توتره، هنا أغمضتُ عينيَّ قبل أن أمسڪ منطقة ما بين عينيَّ.. «شقرة التاج»، لمُحاولة تفعيلها.

- هاه، ركز بقىٰ، خلينا نشوف إحنا بنتعامل مع إيه.

قُلتها لنفسي، فانتظَر هوَ لحين انتهائي من طقوسي، كان هذا قبل أن أفتح عينيَّ لأجد أن أنوار المكان كانت طبيعية تمامًا، وكأنني علىٰ موعد مع غداء عائلة فادي عزام!

مع مُراعاة أن باب الشقة كان مُغلقًا، وأن هيثم لم يكن موجودًا بالمكان..

أنا أعلم جيدًا أنها ليست أكثر من مُجرد حالة راودت نظري وجُزءً من مسمعي، وأن جسدي ووعيي لا يزالان أمام هيثم!

أشرتُ وأنا أقف أمامه نحو الباب، فالتفت وراءه مذهولًا وكأنما عفريتًا يقف، فوجد أن المكان فارغًا، علىٰ العكس مِمَّا كُنت أراه، فقد رأيت أن فادي عزام قد اقترب من باب الشقة مُستجيبًا لرنين الجرس.

فتح ليتفاجئ بأربعة رجالٍ لم يُدركهم بصري تفصيليًّا، ولٰكن من رد فعله الطبيعي استنتجتُ كيف أنه كان يعلمهم جيدًا، فتجمد مكانه عاقدًا يديه أمام صدره ليردد لهم ما رددتُ أنا أمام مسمع ومرأىٰ هيثم:

- نعم، عاوزين إيه؟.. وبعدين إنتوا عاملين رُبّاطية عليَّ في قلب بيتي؟!

ردوا عليه بما لم أتوصل أنا إليه، فوجد فادي عزام أنه ليس من الذوق أن يتركهم علىٰ باب شقته، فسمح لهم بالدخول، وكان لقائهم بالصالون.

رأيتهم بأم عينيَّ يتحركون أمامي بالشقة وكأنني عفريتًا لا يُرىٰ، فتحركتُ أنا متجولًا للبحث عن باقي أفراد الأسرة، وجدتُ الأم بغرفتها تُصلي، ووجدت الولدين نائمين بغرفتهما.

هنا تذكرت أمرًا..

- الولدين مماتوش علىٰ السرير، يعني الأب طلَّع صوت!

ثم التفتُّ إلىٰ حيث كُنت أرىٰ فريدة من دون هيثم، وأنا أردد:

- بس إزاي فريدة متحركتش؟

قبل أن أصل لاستنتاجٍ ما:

- ... يعني فريدة اتقتلت الأول!

هنا رأيتُ بأم عينيَّ أحد الرجال الأربعة متوجهًا نحو المطبخ، فتابعته بناظريَّ لحين خرج ومعه سكينًا منه، متوجهًا نحو غرفة الأم، فقام بطعنها بالسكين عدة طعنات.

الغريب بالأمر كان أن تركه فادي يتحرڪ بالشقة بأريحية، وأنه لم يتحرڪ من مكانه إلّا مُستجيبًا لصرخات فريدة!

أغمضتُ عينيَّ مُرددًا.

- لأ، القاتل كان واحد بس!

وبإعادة ترتيب الاستبصار، أجد أن الأمر أكثر منطقية إن كان الزائر واحد، والمُنفذ واحد، هُنا عادت الأجواء إلىٰ حيث كانت عليه أمام عينيَّ، فوجدتُ هيثم يتأملني بعينين جاحظتين، فقُلت:

- تخيل، وبيقولوا عليَّ مجنون!

فلم يرد.

الملف الأسود | The Black Folderحيث تعيش القصص. اكتشف الآن