الفصل الأول
كانت تقف أمام صور والدها الراحل عندما سمعت النداء القادم من خلفها: "أصالة"
التفتت نحو القادمة نحوها من غرفة الجلوس و التي نظرت لها بشفقة مقتتها.. و جعلتها رغمًا عنها ترفع رأسها بكبرياء.. بينما الأخيرة تنظر لها بود و تقول: "العمر لك عزيزتي.. وليجعلها الله آخر الأحزان"
ابتسمت بأسى وهي تفكر أنها بالفعل آخر الأحزان فلم يعد هناك أي أحد.. عادت تنظر ورأت بعيني صاحبة المنزل انعكاس كل كلمة قالتها لنفسها.. ورغم أنها كانت غاضبة لتحملها كل تلك الشفقة من الجميع إلا أنها ردت بأدب: "آمين سيدة شيرويت شكرًا لذوقك"
ربتت على كتفها بحنو وقالت: "هذا ليس ذوقًا عزيزتي.. إنه الواجب.. والدك و والدتك كانا جيراني منذ سنوات وبيننا عشرة طويلة.. ووالدك فعل المثل عندما توفي زوجي"
تنفست بعمق رافضة أن يظهر الضعف بعينيها.. وبصعوبة تمكنت من منع دموعها وهي ترد: "سأخلي الشقة الليلة"
اتسعت عينيها بصدمة ثم هزت رأسها وقالت: "خذي وقتك حبيبتي ولتعلمي لازال عرضي ساريًا"
لكنها ردت على الفور: "شكرا لذوقك سيدتي.. لكن كما أخبرتك أنا سأنتقل لمنزل والدتي القديم"
نظرت لها بحزن ثم تنهدت وقالت: "كما تشائين عزيزتي"
تحركت بعدها وغادرت وأغلقت الباب خلفها فتنفست بعمق.. ثم دارت عينيها بالشقة الواسعة التي قضت بها سنوات عمرها الثمانية والعشرين.. لم تكن تعلم كيف ستقوى على تركها بكل ذكرياتها وذكريات والديها.. أغلقت عينيها بقوة وهي تستشعر وجودهما حولها يواسيانها ويحتضناها وكم تمنت ألا يكون خيالًا.. تمنت أن يكونا بجوارها الآن.. فتحت عينيها والتفتت وعادت تنظر لصورة والدها.. ثم لصورته مع والدتها ومعها القابعة على المنضدة الصغيرة الموجودة أسفل صورته.. وعندها فرت دمعة من عينها وهي تهمس: "لمن تركتماني أبي؟"
****
بعدها بساعات طويلة وعندما دقت الساعة الثانية عشر.. كانت جالسة على فراشها بغرفتها التي لم تعرف غيرها.. طفولتها.. مراهقتها.. شبابها وكل شيء مرت به كان هنا.. لم تتخيل يومًا أنها ستتركها للأبد.. أو أنها ستخلو من الأثاث كحالها الآن.. كانت شاكرة للسيدة شيرويت أنها منحتها فرصة خلال الأربعين يومًا لتحزم أمتعتها.. صحيح أنها لن تأخذها كلها لكن على الأقل تأخذ أغراضها وبعض الأمور التي ستذكرها بوالديها.. وبالمقابل عليها ترك أثاث غرفة الطعام وغرفتي الاستقبال والجلوس وغرفتها أيضًا.. هي لم تخبر السيدة شيرويت بتركهم وتحمد الله أنها ذهبت لزيارة ابنتها.. فهي بالتأكيد سترفض أن تعوضها عن المال الذي دفعته للتكفين والدفن والعزاء ببعض أثاث غرف المنزل.. فتحت هاتفها وأخرجت صورة قديمة تجمعها مع والديها قبل الحادث بفترة.. كانوا يحتفلون بنجاحها بعامها قبل الأخير بكلية الطب والتقطوا تلك الصورة للذكرى.. عضت شفتها السفلى حتى لا تبكي وهي تتمنى أن تعود تلك الأيام التي كان أكبر هم لها خلالها كيف تحصد أفضل العلامات.. قادتها أفكارها لجملة السيدة شيرويت التي عرضت عليها أن تبقى بالشقة مقابل إيجار بسيط حتى تتدبر أمورها.. لكنها رفضتها ولازالت ترفضها.. لن تعيش بالمنزل الذي امتلكته لسنوات كمستأجرة أبدًا.. يكفيها ما نالها من إهانات والهمسات التي نالت منها الكثير خلال العزاء.. حديثهم عن فقدانها والديها وعملها.
:"المسكينة ضاع عمرها هباءً وقد اقتربت لعمر الثلاثين ولم تتزوج حتى.. سمعت أنها باعت شقتها وسيارتها وكل ممتلكات والديها لتنفق على علاج والدها الذي كان بآلاف الجنيهات خلال الأسبوع الواحد.. من يصدق أن أصالة الفتاة المجتهدة التي كانت والدتها تتفاخر بتفوقها وذكائها يصل بها الحال لهذا.. إنه الحسد بالتأكيد.. الفتاة من شدة الصدمة لم تبكي لا بعزاء والدتها ولا والدها"
كان كل شيء مؤلمًا.. الموقف مؤلم.. والمكان مؤلم.. والموجودين حولها عززوا الألم.. لكنها رفضت أن تبقي.. فعلى ماذا ستبكي.. لقد فقدت كل ما امتلكته يومًا.. وها هي الآن تخرج بعد كل ما واجهته خالية الوفاض.. وكانت تلك هي الجملة التي جعلتها تترك الهاتف وتغلق النور وتتدثر بفراشها للمرة الأخيرة.. لأنها لم ولن تستطيع إن تعترف أنها خسرت كل شيء.
**
في صباح اليوم التالي
-: "سيدتي لن أتمكن من الدخول بسيارتي"
أفاقت من شرودها على صوت السائق وقالت: "عفوًا؟"
رد بأدب: "لن أتمكن من دخول الشارع.. فهناك عدة سيارات تقف بداخله ولا يوجد متسع لدخولي"
التفتت تنظر للشارع الذي بالكاد تذكره وبالفعل رأت مجموعة سيارات تقف بداخله.. فالتفتت له وشكرته بلباقة ثم هبطت وتحركت تدخل الحارة القديمة.. ومع كل خطوة كان كل من تمر بهم يحدقون بها رغم أنها بالفعل لا ترتدي أي شيء ملفت.. فثيابها كلها سوداء وحتى شعرها جمعته بضفيرة قصيرة ورفضت أن ترتدي نظارة شمسية حتى لا تلفت النظر.. لكن العكس قد حدث وقد زاد هذا وحشتها فهي لا تنتمي لهذا المكان لكنها لا تملك غيره.. وقفت أمام البناية التي تذكرتها فقط بسبب مكانها.. وشقتهم بالدور الأول المميزة بنوافذها المليئة بالتراب.. ابتسمت وهي تتذكر أنها طلبت من والدتها بأحد الأيام أن يبيعوا تلك الشقة حتى تبتاع سيارة جديدة ووالدتها رفضت.. ورغم استغرابها تمسكها بها إلا أنها تشكرها على عدم الاستماع لها الآن..
تحركت لتدخل البناية التي كانت قديمة نوعًا ما لكنها كانت مميزة بمساحتها الشاسعة.. حتى الدرج كان واسعًا ويتوسط المدخل كأنه سلم أحد القصور العريقة.. تحركت تصعد للباب الوحيد بالدور الأول وما أن وصلت أخرجت المفتاح وقامت بفتح الباب.. لتسعل ما أن دخلت من كثرة التراب الذي يغطي كل شيء.. ورغم هذا ما أن دخلت شعرت براحة غريبة لا تفهم مصدرها.. حتى أصوات الضوضاء بالخارج تبخرت.. شعرت بنفس السكينة والهدوء اللذان كانا ينتابانها بقرب والديها.. تلك السكينة التي لم تشعر بقيمتها إلا مع رحيل مصدرها.. عادت الدموع تملأ عينيها ففركتهما بقسوة كأنها تعاقب عينيها على التفكير بالبكاء حتى.
خطت للداخل وبدأت بالتفكير بكيفية التخلص من كل هذا التراب الذي ملأ المكان.. وأين سترتب الأغراض التي أخذتها من المنزل و...
:"أصالة؟"
أصابها الذعر ما أن سمعت السؤال وانتفضت تنظر نحو الباب بفزع.. لتتسع عينيها أكثر وهي ترى كتلة من العضلات تقف أمامها.. شعرت بالرعب فهي لا تعرف أي أحد هنا وربما يكون لصًا أو مجرمًا خاصة وهو يمسك ذلك المفك الضخم.. جاهدت حتى لا يظهر أي شيء على وجهها وأن تبقى باردة.. بينما رأت حاجباه ينعقدان ثم سألها: "أنت أصالة ابنة الحاج داوود أليس كذلك؟"
كان دورها بأن ينعقد حاجبيها وسألته: "هل تعرف والدي؟"
أومأ لها ونظر لثيابها ثم لانت ملامحه وهو يقول بحزن: "طبعا.. والدك رحمه الله كان بمثابة والد لي.. لقد حضرت الدفن وقمت بتعزيتك"
حاولت أن تتذكره لثوان تلت حديثه لكن دون جدوى.. ومع هذا لاحظت تأثره الشديد وحزنه الواضح أثناء حديثه وقد أثار هذا دهشتها.. فهي لا تعرفه مطلقًا وهو على ما يبدو كان يحب والدها كثيرًا.. توقفت أفكارها عندما لاحظت أنه يحدق بها بطريقة غريبة منذ فترة ويبدو أنه لاحظ هذا فقال: "البقاء لله"
همست: "ونعم بالله"
رفعت ذقنها بتعالٍ بعدها وقالت: "هل لي أن أعرف من تكون؟"
مد يده نحوها ليصافحها وهو يرد: "أنا أمير عبدالغفار مالك البناية"
نظرت ليده باستغراب وهي لا تصدق أنه بالفعل يتوقع منها مصافحة كفه المليئة بالشحم.. ورغم أن موقفًا كهذا كان ليجعله يمتلئ بالحرج إلا أنه ابتسم بسعادة وكأنه أعجب بردة فعلها.. وأكمل ببساطة وهو يسحب يده كأن شيئًا لم يكن: "والدك الحاج داوود كان صديقًا مقربا لوالدي وكان يزورنا من وقت لآخر.. رأيتك معه عدة مرات ورأيتك بعزاء والديك لذا عرفتك فورًا"
أومأت له ببرود وهي لا تصدق أن والدها الطبيب الشهير الذي كان يملك عيادة ذائعة الصيت في أرقى مكان بالعاصمة.. كان يعرف هذا الشاب ذو الملابس المتسخة المليئة بالشحم والتي تدل على وظيفته وعلى انحدار ذوقه أيضًا.. وعندها تذكرت أن والدها كان يصر على المجيء لهنا لتصليح سيارته وفهمت سبب إصراره على هذا.. وفهمت أيضًا لم لا تذكر أنها رأته قبلًا فهي لم تسمح لنفسها أبدًا بدخول هذا الشارع وكانت تنتظر والدها خارجًا.. كل هذا لا يهمها ما كاد يفقدها عقلها فعلًا أنه سمح لكتلة العضلات الذي يلطخه الشحم بكل مكان أن يناديه بلقب الحاج.. أفاقت من شرودها على سؤاله: "هل أتيت لأخذ شيء من الشقة؟"
نظرت له وهزت رأسها بنفي وهي ترد: "لا.. سأنتقل لأعيش هنا"
اتسعت عيناه وارتفع حاجبيه بدهشة فأكملت: "هل من مشكلة سيد أمير؟"
كادت أن تضحك على ما تفوهت به وهي لا تصدق أن لقب سيد قد يلحق بهذا الرجل.. لكنها تمالكت نفسها بينما تراه يهز رأسه بلا ويرد: "أنا... أنا فقط استغربت أنك لم تأتي بأي حقائب"
ابتسمت بسخافة وقالت: "سيارة الشحن ستلحق بي بعد قليل.. فلا يعقل أن أحمل أغراضي كلها بحقيبة ظهر مثلًا"
ورغم أنها تقصدت إهانته لسبب لا تفهمه إلا أنه أومأ بصمت ثم التفت ليغادر دون أي كلمة.. وعندها وقفت تحدق بأثره باستغراب ثم تجعدت ملامحها وهي تهمس: "سأتعب كثيرا بالحياة هنا!"
**
بعدها بفترة قصيرة كان العمال قد انتهوا من وضع الأثاث الذي أخذته من بيتها أو ما كان بيتها.. تنهدت ما أن انتهوا وأخرجت آخر نقود تملكها.. وهي لا تعلم كيف ستقضي باقي يومها حتى لكنها لم تملك حلًا آخر.. نظرت للعمال الذين بدؤوا بالمغادرة من المنزل وقبل أن يخرج رئيسهم وقف أمامها وسألها: "هل تأمرينني بشيء آخر سيدتي؟"
ناولته النقود وهي تبتسم بهدوء وترد: "شكرًا لقد أتعبتكم معي"
نظر للنقود وقال: "لا داعي لهذا فقد دفع لنا المعلم"
انعقد حاجبيها وسألته باستغراب: "أي معلم؟!"
رد: "صاحب الورشة الموجودة أسفل المنزل"
قال جملته وابتسم لها بأدب ثم غادر تاركًا إياها تنظر بأثره بتيه وغضب.. فمن يكون ذلك الرجل ليسمح لنفسه بفعل كهذا.. لم تعلم ما عليها فعله.. هل تنزل وتصر على أن يأخذ أمواله أم تتمهل وتفكر بعقلانية فهي لا تريد مشاكل بهذا المكان.. فالبشر الذين يعيشون به من الصعب التعامل معهم!
**
مرت ساعات طويلة شغلت نفسها خلالها بتنظيف البيت وتحريك المتاع الزائد لغرفة الطعام وإغلاقها بإحكام.. بعد أن كدست بها الأثاث القديم الذي كان بالشقة مع بعض الأغراض التي أحضرتها معها من منزلها.. وقبل أن تغلق الغرفة سقطت عينيها على صندوق ضخم كان يحتوي كتبها خلال سنوات دراستها.. صندوق أقسمت ألا تخرجه إلا عندما تتمكن من استرداد حقها ونيل ما تستحقه.. ابتسمت بسخرية مع تردد تلك الجملة ببالها ورغمًا عنها أغلقت الباب بعنف.. فسقطت إحدى قطع الزجاج على الأرض وتهشمت لآلاف القطع.. نظرت لها لثوان وطنين مزعج يملأ أذنيها قبل أن تتحرك نحو المطبخ.. وعادت تحمل المكنسة وركعت على ركبتيها وبدأت بلملمة الشظايا التي ملأت الأرض.. وبينما تفعل عادت ذات الجملة تتكرر وهي تضيف عليها.. أن أيًا من هذا هي لا تستحقه.. لا تستحق أن تعيش بحي شعبي كهذا.. أو تفقد وظيفتها وحياتها و والديها.. كل هذا هي لا تستحقه.. ولم تكن تتخيل بأسوأ كوابيسها أن يصيبها كل هذا.. انتفضت من مكانها عندما وخزتها إحدى الشظايا ونهضت فورًا تتجه للحمام لتفتح صنبور المياه.. لكن و لسوء حظها كانت المياه مقطوعة.. وعندها لم تتحمل وضربت الصنبور بكل طاقتها وهي تصرخ.. ثم جلست على الأرض وأول ما لاح ببالها كان صورة والديها بإحدى المرات عندما وقعت وجرحت ذراعها.. وكيف اهتما بها وضمدا جرحها وأصرا على أن تقوم ببعض التحاليل حتى يطمئنا أنه لم تنتقل لها أي عدوى.. كان كل هذا الدلال لها وأكثر بوجودهما.. لكن مع رحيل أول واحد منهما ضاع كل شيء وضاعت معه.. هطلت دموعها وقد خارت كل قواها بعد يوم طويل قضته بالتنظيف الذي لم تكن تعلم عنه أي شيء قبلًا.. فهي أبدًا لم تغسل صحون أو تنظف نوافذ وأرضيات.. حتى بعد الحادث استمرت مربيتها في المجيء حتى مع توقفها عن منحها راتبها بسبب التزاماتها الكبيرة التي كانت بالكاد تقضيها.. ورغم أنها لم تطلب منها أي مقابل إلا أنها فضلت ألا تخبرها أنها ستترك المنزل حتى لا تتبعها إلى هنا.. فهي لا تريد أن ترى نظرة الشفقة بعينيها أو بعيون أي أحد.
نهضت بعدها تتجه لغرفة النوم التي كانت لوالديها والتي قررت أن تنام بها.. وما أن استلقت وأغمضت عينيها راحت بسبات عميق.
***
كان يقف بالنافذة ينظر للأسفل نحو شرفتها التي نظفتها ووضعت بها بعض أصص الزرع.. لم يكن يصدق أن ناعمة اليدين عالية الهامة قد تتنازل يومًا وتنظف بيتها كأي سيدة أصيلة.. ابتسم وبباله تلوح ذكرى قديمة لها مع سيارتها
&&
وضع صينية الشاي على المنضدة الصغيرة الموضوعة بين المقعدين وهو يقول: "أفضل كوب شاي لأفضل عم داوود"
ابتسم له الرجل ببشاشة وهو يرد: "أنت بائع كلام يا ابن عبدالغفار لا فائدة منك"
تنهد بعدها بأسى وأكمل: "رحم الله أباك كان يأمل إن تكون ذو شأن"
حرك رأسه وأطرق مخفيًا حزنه وهو يقول: "رحمه الله"
و التقط كوب الشاي واحتسى منه القليل مكملًا بجدية: "لكني تعلمت من الحياة ما لم أكن سأتعلمه من أي جامعة وكما ترى تمكنت من الوصول للكثير"
ربت على ساقه ورد بحنو: "أعلم عزيزي.. بارك الله بك.. كان والدك ليكون فخورًا بما أنجزته"
قرر تبديل الحزن الذي ملأ الأجواء قائلًا: "كان ليضربني على رأسي وينعتني بالغبي لأني تركت المدرسة ولم أنل الشهادة"
ضحك داوود وهو يتذكره وهو يضربه بالفعل بينما أمير يكمل: "كان يقدس تلك الشهادة التي لا أعلم فائدتها حقيقةً للآن.. كان مجرد معهد متوسط ولا أعلم حتى تخصصه"
فرك عينيه ليبعد دموع الضحك وهو يرد: "كان يريدك أن تلتحق بكلية الهندسة"
ارتفع حاجباه ناظرًا نحوه.. فلم يتمالك داوود نفسه وانفجر ضاحكًا مجددًا فقال: "أرأيت؟. حتى أنت لا تصدق.. أنا والهندسة.. كيف.. هل تذكر كم مرة رسبت بعامي الأخير؟. أتعلم أني للآن لا أجيد قراءة اللغة الإنجليزية.. هل تتخيلني أسير حاملًا الكتب والملازم عمي؟"
كان لا يزال يضحك وهو يرد بتقطع: "كفى يا ولد... كفى!"
وما أن هدأ أخيرًا نظر له بتمعن ثم تنفس بعمق قائلًا: "المسكين عبد الغفار بم كان يفكر.. بهذه العضلات وهذا الرأس الصلب والعصبية التي تملك كنت لتقتل أول أستاذ يطلب منك الخروج لأنك فركت أنفك"
تجعدت ملامحه باستغراب وهو يسأل: "هل يطردون أصالة لأنها تفرك أنفها؟!"
عاد للضحك مجددًا قبل أن تسرح عيناه ويتنفس قائلًا: "صغيرتي أصالة مهذبة وملتزمة وجميع أساتذتها يحبونها وزملائها أيضًا"
ابتسم له وهو يتذكر السفيرة أصالة.. بشعرها الأسود الطويل وأنفها وهامتها المرفوعان باستمرار.. وعينيها اللتان لا تنخفضان أبدًا لأي شخص.. كان يعلم منذ الصغر أنها ذكية وتجيد كسب مودة كل من حولها رغم غرورها.. ويبدو أنه كان محقًا.. لاحظ أن الصمت طال دون أن يرد فتنحنح قائلا: "ليبارك بها الله ويسعدها عمي"
أومأ له وهو يرد: "آمين يا بني.. آمين"
رن الهاتف عندها فأخرجه من جيبه ورد: "أهلًا صغيرتي.. أجل أعلم أنك بحاجة للسيارة.. أنا الآن أصلحها عند أمير.. لن أتأخر حبيبتي"
أغلق الهاتف وعاد ينظر له: "إذاً ما الأخبار أمير؟"
التفت للفتى الذي يعمل معه وناداه: "أنور كيف حال السيارة؟"
أتى الرد من الشاب بينما يمسح زجاج السيارة: "أعدتها جديدة يا سيدي"
عاد ينظر له ولكن قبل أن يرد وجده يقول: "لا أعني هذا أمير"
نظر له قليلًا بأسف قبل أن يتنهد ويسأله: "هل أنت واثق عمي؟"
ابتسم له وتنهد بسعادة مجيبًا: "لأجل أصالة أفعل أي شيء"
&&&
أغمض عينيه وتنفس بعمق وهو يتذكر كيف كانت ابتسامته سعيدة وراضية رغم قسوة ما فعله على نفسه.. لكن تلك الجملة كانت صحيحة.. فلأجل أصالة كان ليفعل أي شيء.. همس باستغفار وهو لا يصدق أن الرجل وخلال يومين من جلوسه معه قد توفى.. لم يصدق الخبر عندما وصله فقد كان بمثابة والد له.. لكن صدمته لم تطل فما كانت المرة الأولى التي تصدمه الحياة بها بشأنه.. وبالكاد تمكن من تصديق ما أصابه بالمرة التي تسبقها.. فبين ليلة وضحاها عمه داوود الذي كان لا يجلس بمكان واحد فقد قدرته حتى على تحريك إصبعه وفقد زوجته.. أو توأم روحه كما كان يخبره.. كان بالكاد يتحدث لكن خلال السنوات أخبره الكثير.. الكثير مما قد لا تعرفه أصالة نفسها عنه وعن والدتها.. تنهد عندها والتفت يعود لغرفته وهو ينوي أن ينام وبداخله يشعر أنه بورطة كبيرة.
***
متنسوش اللايك يا حلوين 😘❤
أنت تقرأ
عمري وأنت الجزء الأول من سلسلة وللعمر بقية- مكتملة
Romanceضاعت السنين وأنا أقف مكاني.. تمر بي الأيام دون تواني.. تحمل معها ما يضاعف أحزاني وآلامي.. ومع كل دقيقة كان الزمن يخبرني أنه لا مفر من غدر الزمان.. إلى أن حملتني الأقدار يومًا لمكان لم يكن بحسباني.. تمردت.. و رفضت.. حاولت.. و سقطت.. ثم هدأ كل شي...