عمري وأنت الجزء الأول من سلسلة وللعمر بقية-الفصل السادس

505 32 6
                                    

الفصل السادس
كان قد قرر ألا يعيرها انتباهًا فقد طفح كيله من أفعالها لكن هذا لم يدم إلا عشر دقائق.. وكالعادة قلبه الأحمق آلمه على حالها فهو يتفهم سبب مزاجيتها.. والأسوأ أنه لا يلومها على هذا.. تنهد وترك ما بيده وجلس على مكتبه وهو يضع رأسه بين كفيه وذات الذكرى تتردد بباله...
&&&
دخل للمطبخ حيث تقف سالمة وتعد الغداء وما أن شعرت بوجوده التفتت وابتسمت بوجهه.. تحرك نحو المنضدة الرخامية التي تجاورها ووضع فوقها فنجان القهوة وقال: "سلمت يداك يا خالة"
أخذته وبدأت بغسله وهي ترد: "سلمت يا بني"
وضع الظرفين أيضًا بجوارها وقرر المغادرة لكنها أوقفته وهي تقول: "ألا تزال لا تريدني أن أخبرها بني؟"
التفت لها وجدها تنظر له حاملة الظرفين وهي تكمل: "لابد أن تعرف يومًا ما"
تنفس بعمق وقال: "لقد اتفقنا على الأمر منذ زمن وأنت وعدتني"
تنهدت بحزن ثم ابتسمت بأسى وردت: "كما تريد"
تحرك بعدها ليعود لغرفة الاستقبال التي كان يجلس بها مع عمه.. ولكنه توقف واختبأ خلف أحد الجدران ما أن سمع صوت باب المنزل يفتح.. انغلق الباب بعدها فنظر بسرعة ليجد أصالة تدخل المنزل ويبدو عليها الإرهاق والتعب.. انعقد حاجبيه وهو يفكر أن هذا ليس موعد عودتها.. لكن سرعان ما نسي الأمر ما أن تحركت نحو والدها الجالس بمقعده المتحرك وسقطت على الأرض جالسة ثم وضعت رأسها على ركبتيه.. شعر بالخوف ما أن رأى اهتزاز جسدها وسمع شهقات بكائها العالية.. وهو لا يصدق أنها تبكي بالفعل.. فحتى بوفاة والدتها لم تبكِ.. لكن عيناه اتسعتا ما أن سمعها تقول ببكاء: "لقد ضاع كل شيء أبي!"
شهقت بعنف قبل أن تكمل بخفوت: "أوقفوني عن العمل!"
كان يحدق بالفراغ وهو لا يصدق ما يسمعه.. التفت بالكامل ونظر نحوها ليجدها تنظر لوالدها الذي كان يبكي معها وهي تردف: "أخبرتني مرارًا أن العالم سيئ وموحش.. أني سألقى الكثير من منعدمي الضمير.. وأخبرتني أنك لن تحميني للأبد.. وأنا كذبتك.. أخبرتك أني أقوى من كل العالم وأني دائمًا سأجد منفذًا.. لكن أثناء عودتي للمنزل وأنا أبحث عن المنفذ لم أجده أبدًا.. لقد خسرت كل شيء حلمت به.. وخسرت حلمك وحلم أمي الذي أقسمت على تحقيقه لها!"
عادت تدفن رأسها بحجره وهي تكمل ببكاء: "ليتني رحلت معها وحسب!"
وانخرطت ببكاء أدمى قلبه.. وبصعوبة أوقف نفسه من التحرك نحوها واحتضانها ومواساتها.. والتفت ينظر خلفه ليجد سالمة تقف وهي الأخرى تبكي.. لكن ما أن نظر لها تحركت فورًا نحوها وجلست بجوارها لتواسيها وتحتضنها بينما انتهز هو الفرصة وخرج من باب الخدم. دون أن تشعر.
&&&
أغمض عينيه وكما يحدث دائمًا مع تذكره لذاك اليوم الذي لا يمحى من باله أبدًا وصوت بكائها الذي يمزق قلبه.. كان يتناسى كل ما تفعله ويركض نحوها ما أن تعود من  العمل ليسألها عن يومها كيف مر.. أفاق من شروده ما أن دخل أنور عاقدًا حاجبيه وهو يقول: "معلم لقد رأيت الآنسة تمر مسرعة وتدخل المنزل"
انعقد حاجبيه هو الآخر بينما ابتلع أنور لعابه وأكمل: "يبدو أنها كانت تبكي!"
نهض عندها بسرعة وتحرك نحو المنزل ليجدها تقف عند باب شقتها فناداها: "أصالة"
ما أن سمعت ندائه سقط المفتاح من يدها بينما صعد هو الدرج واتجه نحوها ولاحظ بالفعل انتفاض جسدها.. وقف بجوارها وسألها: "ماذا بك؟!"
كانت خصلاتها الكثيفة تخفي وجهها وبالكاد سمع صوتها وهي تهمس: "لا شيء!"
شعر بشعور سيئ فسحبها لتواجهه ولأنه فاجأها فقد رفعت رأسها له.. وعندها اتسعت عيناه وهو يرى علامة اليد على وجنتها.. بقي ينظر لها بذهول لثوان قبل أن تشعر بقبضته تزداد على ذراعها وسأل بخفوت خطير: "من ضربك؟!"
***
دخلت سلمى لشقتهم لتجد والدتها تجلس مع ثلاثة من جاراتها وعندها ابتسمت بخبث واقتربت منهن وهي تقول: "ليتكن رأيتن ما رأيته على درج البناية"
التفتت لها الرؤوس الأربعة بشوق وترقب بينما جلست هي أمامهن وأكملت: "رأيت أمير يقف مع تلك الغريبة وقد كانت تمسك يده وتبكي"
شهقت الأربعة نساء بصوت واحد ثم سألتها والدتها: "ولم تعرفي السبب؟!"
مطت شفتيها وردت: "يبدو أن رجلًا ما قد ضربها وهي كانت تشتكي له"
نظرت حسنة لهن وقالت: "ألم أخبركن؟"
ردت المرأة الجالسة بجوارها: "معك حق.. يبدو أنها ليست سهلة على الإطلاق"
تركت كوب الشاي من يدها وقالت: "لقد أخبرتكن ما سمعته من كامل مساعد الطبيب الذي تعمل معه.. كانت طبيبة إلى أن قتلت امرأة في ريعان شبابها بسبب الإهمال ففصلوها عن العمل"
ردت امرأة أخرى: "ليكفينا الله شر مثيلاتها"
أخفت سلمى ابتسامتها وهي تقول: "آمين يا خالة!"
أشارت لها والدتها أن تنهض سرا فامتثلت فورا وتركتهن.. وما أن ابتعدت همست لهن حسنة: "أنا أراهما يقفان دائمًا على الدرج بأوقات متأخرة من الليل.. وأم هاني رأتهما يجلسان بالسيارة بمرآبه بعد يوم من وصولها"
شهقت إحداهن وردت: "يا حفيظ يا رب!"
بينما قالت أخرى: "من كان يصدق أن أمير يفعل هذا لقد كان مثالًا للأدب"
حركت حسنة شفتيها بحسرة وهي ترد: "السحر يا فادية يفعل ما هو أسوأ"
اتسعت عيونهن لثوان إلى أن نطقت إحداهن: "معك حق لا يوجد تفسير آخر!"
تنهدت وردت: "ما يطمئنني أني أراه يصلي باستمرار لذا لن يدوم السحر طويلًا.. وبعدها تغادر تلك الفتاة وتعود المياه لمجاريها"
كانت تعلم أنهن يؤمن خلفها دون رضا.. فكل منهن تتمنى تزويج ابنتها من سيد شباب المنطقة وبالتأكيد يحسدنها على فرصة ابنتها به حتى لو كانت ضئيلة.. لكن أيا من هذا لم يهمها فقد وصلت لما تريده
****
لا تعلم كيف تركته يسحبها ليخرجا من المنزل.. ثم تحركا نحو سيارته وأجلسها على المقعد المجاور له دون أن تعترض أو تنطق بأي كلمة.. أفاقت من حالتها عندما توقفت سيارته أمام مكان العمارة التي توجد بها العيادة.. فالتفتت له عندها وسألته: "لم نحن هنا؟"
نظر لها لثوان قبل أن ينزل من السيارة.. فتبعته وسارت خلفه محاولة اللحاق به لكنه كان أسرع منها ولسوء حظها كانت العيادة مفتوحة.. وصلت له أخيرًا عندما دخل للعيادة.. وقبل أن تفتح فمها وجدته يصفق بيديه بعنف وهو يقول بصوت جهوري: "هل من أحد هنا؟!"
سمعت صوت الحركة القادمة من المطبخ ثم وجدت كامل يخرج منه قائلًا: "العيادة مغلقة اليوم"
ما أن وصل ونظر لها ثم لأمير تبدل لونه وازداد شحوبه ما أن اقترب أمير.. وما أن أصبح على بعد خطوة منه أمسكه بعنف وسحبه نحوه ثم أشار لها قائلًا: "هل أنت من ضربها؟!"
ابتلع لعابه ورد بسرعة: "أنا لم ألمسها.. هي أساسًا لم تأتي اليوم"
اتسعت عينيها بذهول ثم صرخت به: "أيها الكاذب الحقير!!"
التفتت لأمير وأكملت: "إنه كاذب أمير أقسم لك.. هو من ضربني بعد أن ضربته لأنه حاول التحرش بي!!"
وما أن قالت جملتها التفت وابتسم له بطريقة أرعبته وهو يقول: "أنتِ لم تخبريني بأمر التحرش ذاك من قبل"
ثم وبلمح البصر ضربه بجبهته على أنفه عدة مرات إلى أن كسرها.. بينما كامل يصرخ بألم قبل أن يلقيه بعنف نحو مكتبه الذي تهشم مع سقوطه فوقه بكل ثقل جسده.. وقبل أن يدرك ضربه أمير بعنف بين ساقيه فعاد للصراخ مجددًا.. كل هذا وهي تقف مشدوهة مما تراه فقد تخيلت أنه سيلكمه بأسوأ تقدير.. ورغم صدمتها بما حدث إلا أنها لم تتدخل أو تعترض.. تركته يكيل له اللكمات ويقذفه بأسوأ الشتائم ثم ضربه مجددًا بين ساقيه وهو يقول: "هذا لتتذكر ما ستلقاه عند لمس ما ليس لك!!"
ثم تحرك نحوها وسحبها وخرجا من الشقة ومرا بين تجمع من الناس لم تعلم متى ظهروا ولِمَ لَم يتدخلوا لإيقاف الشجار؟!
ركبت بجواره وهي تحاول أن تهدأ وتتوقف عن البكاء دون جدوى.. فالتفتت له وجدته ينظر للطريق وملامح وجهه ينحتها الغضب.. نظرت ليده الموضوعة على المقود وقالت: "يدك مصابة"
لم يرد أو يلتفت فأكملت ببكاء: "لم أنت غاضب مني ما ذنبي أنا؟!"
التفت ينظر لها قبل أن يتوقف فجأة وسط الطريق ويلتفت لها بالكامل وهو يقول: "ذنبك أنك لا تستمعين لكلام أي أحد.. مرارًا أخبرتك أن ذلك العمل لا يليق بك وأنه سيسبب لك المتاعب.. لكنك تمسكت به!"
هتفت به: "هل تريدني أن أبقى بالبيت.. ومن أين من المفترض أن أنفق على حياتي أم تريدني أن أنتظر منك الشفقة أمير؟!"
كان يبدو غاضبًا ومع هذا رد بهدوء: "لم أقل هذا.. أخبرتك أن نبحث عن حل آخر وعندما تمسكت بالعمل طلبت منك أن تراعي على الأقل المكان الذي تعملين به.. أخبرتك أنك لست بأحد الأحياء الراقية ولا المشافي الخاصة.. وعليك ارتداء أشياء أخرى غير سراويلك الضيقة وتنانيرك القصيرة.. لكن هذا أيضا لم تستمعي له!"
عادت للصراخ به قائلة: "هل تقف بصفه وهو من..."
عندها كان دوره بالهتاف بها: "من ضربه للتو يا غبية.. لم لا تستخدمين أذنيك للاستماع لمن حولك مرة؟!"
سمع صوت السيارات من خلفه فحرك السيارة وأوقفها بجانب الطريق ونظر أمامه وهو يحاول التقاط أنفاسه.
:"لا يجب أن أكون هنا"
التفت لها وجدها تحني رأسها وتدفنها بيديها وهي تكمل: "لا يجب أن أكون بهذا المكان الذي لا أمت له بصلة.. يجب أن أكون مع والداي ببيتنا أدرس مساءً لنيل الماجستير وأستيقظ بالصباح لأكون بالجامعة أحاضر الطلبة!"
تنهد وهو ينظر لرأسها المدفونة بشعرها القصير ثم قال: "أنت من أضاع فرصتك أصالة"
رفعت رأسها له وردت بحدة: "وكيف عرفت هذا.. وهل تعرفني أساسًا لتحكم علي أو تعرف ما مررت به؟!" 
ابتسم بسخرية بينما ينظر للدموع التي تملأ وجهها وفكر بالصمت وحسب حتى لا يؤلمها أكثر.. لكنه لم يتحمل الصمت وقال بقسوة: "أعرف عنك التسرع والتهور أصالة.. أعرف أنك لا تكترثي لأي أحد سواك.. ولا تهتمي لعواقب أفعالك.. كان كل شيء بيدك وكان ليتم تعيينك بالفعل بالعام التالي.. كان حقك بالتأكيد التعيين بذات السنة لكن كلانا يعلم أن الله منصف وعباده ليسوا كذلك.. عباده قاسين وظالمين وبعضهم يحمل سلطة أعلى من سلطتنا لا يمكننا نكرانها ولا يمكننا مجابهتها بالغضب!"
كانت لا تعلم هل تذهل من أنه يعرف كل هذا أم تذهل من الكلام ذاته.. كل ما تعلمه أنها لم ترى أحدًا حزينًا عليها كما ترى أمير الآن.. بينما حول ناظريه بعيدا عنها وهمس: "رجاءً.. توقفي عن إشعاري بالعجز لعدم رد حقك!"
فرغت فاهها بانشداه وهي لا تصدق ما تسمعه.. بينما هو تنفس بعمق ثم أعاد إدارة المحرك وهو يكمل: "وتوقفي عن البكاء فأنا لا أستطيع احتضانك"
-:"لماذا؟!"
لم تعلم من أين أتى هذا السؤال الغبي ولم تكترث.. فقد كانت تريد أن تعرف السبب وحسب بينما التفت لها ورد: "لأنك لا تحلين لي.. ما أن نتزوج سأشبعك أحضانًا وتقبيلًا"
انعقد حاجبيها وهي تنظر له باستغراب ثم ارتاحت بمقعدها وهي تقول: "لا أريد منك أحضانًا ولا قبلًا ولن أتزوج بك من الأساس"
سمعت ضحكته الساخرة وهمسه: "لم يعد الأمر برغبتك"
عادت تنظر وسألته: "ماذا قلت؟"
أدار المقود وهو يرد: "لا شيء.. ارتاحي الآن وفيما بعد نتحدث"
وقد ارتاحت بالفعل وأوقفت الحديث طيلة الطريق للبيت.. وما أن وصلا وفتحت الباب وجدت نوارة تقابلها وهي تقول: "حمدا لله على سلامتك يا آنسة!"
ابتسمت وكادت تشكرها لكنها نظرت لوجهها وأكملت بحدة: "عسى أن تنكسر يداه التي مدها عليك!"
-:"لنحطم العيادة بأكملها يا معلم"
التفتت لأنور وردت سريعا: "لا داعي لفعل هذا فالطبيب لا دخل له"
ثم نظرت لأمير وأكملت: "رجاءً يكفي ما فعلته"
أومأ لها وقال: "خذيها للبيت نوارة"
أمسكت ذراعها وتحركتا معا نحو المنزل.. وما أن تأكد أنور من ابتعادهما قال: "معلم سلمى كانت..."
:"أعلم أنور لقد رأيتها"
قالها وهو يتكئ على هيكل السيارة بتعب وإنهاك.
****
دخلت والدتها من الشرفة فنهضت تقف أمامها وتقول: "لم أخبرتهن بكل هذا أمي.. بالتأكيد سينشرن الأمر ويفضحنها"
ردت ببساطة: "وهو المطلوب!"
اقتربت منها وقالت: "ليست لدرجة الأعراض أمي.. فعندها أمير قد يتزوجها حتى يخرس كل الألسن عنها"
ابتسمت وردت: "وهو ما أريده!"
اتسعت عينا سلمى وسألت بذهول: "تريديه أن يتزوجها؟!"
تحركت نحو المقعد وهي تقول: "أريده أن يطلب يدها"
تنهدت وهي تجلس مكملة: "وعندها سترفضه"
انعقد حاجبيها وسألتها: "وما أدراك أنها سترفضه؟!"
ردت: "لأنها فتاة بلهاء متمسكة بشهادتها التي لم تجلب لها سوى الخراب والدمار.. وترى نفسها أفضل منه ومن الجميع لذا يستحيل أن تقبل به"
فكرت بكلامها ثم جلست قربها وسألت: "ولنفترض أن كلامك صحيح.. ماذا سيحدث بعدها؟"
ردت: "سيكون كالذئب الجريح ونحن سنتلقاه ونضمد جراحه.. وعندما ننال المراد نتخلص منها بطريقتنا"
***
مساء الخير
بعتذر عن التأخير في تنزيل الفصل
أتمنى متنسوش الدعم يا حلوين ورمضان كريم 🌹❤

عمري وأنت الجزء الأول من سلسلة وللعمر بقية- مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن