بعدما تناولنا البيتزا وانشغلت كل واحدةٍ بنفسها مجددًا، انتهى بيَ المطاف مع مهمةِ تضميد جرح آية وتغيير الشاش عليه كي تخلد إلى النوم، كانوا قد حلقوا لها بعضًا من شعرها الذي يحيط الجرح كي يخيطوه، وكان ذلك جرحًا كبيرًا جدًّا بالنسبة لي.
سألتها وأنا أبلل القطن بالمطهر: ألا تذكرين شيئًا؟
أطبق الصمت على المكان هنيهةً، بدت وكأنها تبحث جاهدةً في ذهنها عن تلك الذكريات الضائعة، وما لبثت أن أجابت في خفوت: لا أعرف، كنت أسير في الشارع، لا أتذكر من كان موجودًا حتى، أظن أنهُ أتى من ورائي.
غسلتُ المطهر وجففت الجرح استعدادًا للفهِ بالشاش، كانت القُطَبُ قد علقت بالقطن سابقًا، لذلك حرصتُ على أن ألا يتكرر ذلك وأنا أسمعها تسألني: هل يبدو شكل الجرح سيئًا؟
ترددتُ في إجابتها وهلةً، لكن الله أسعفني كي أقول: المهم أنكِ بخير! كما أنكِ ما تزالين شابة، كل شيءٍ يتجدد أسرع مما تتوقعين!
لن أكون أنا من ينقل لها خبر وجود بقعةٍ صلعاء في شعرها، خصوصًا وأنها كانت منزعجةً من تساقط شعرها في الآونةِ الأخيرة، وضعت اللاصق الطبي كي أثبت الشاش ثم أمرتها بلطفٍ: اخلدي إلى النوم الآن، وضعي كل شيءٍ وراء ظهركِ الليلة، تُصبحين على خير.
ظلّت تحدق بي برهةً، حتى أفصحت أخيرًا: آسفة بشأن الطرحة، لقد تمزقت تمامًا.
لاحظتُ الطرحة على طرف سريرها، كنت أراها لكنني قررت تجاهلها معظم الوقت، اشتريتها حين خرجت مع صديقاتي إلى المركز التجاري في جدة، إنها تحمل الكثير من الذكريات، لم أتخيلها يومًا ممزقةً ومصبوغةً بالدم.
أخذتها وأنا أجيبها ببطء: هذا ليس مهمًا، الأهم أنكِ بخير. كان خطئي أن أعطيها لها، أنا من ظننت أنني أمنحها مستقبلًا آخر، لكنني كنتُ مُسيرةً، لطالما كنتُ كذلك.
أطفأت الضوء وأنا ألقي نظرةً أخيرةً عليها، ثم شعرتُ أنني يجب أن أضيف: إن احتجتِ إلي نادِني، سأظل مستيقظةً وقتًا أطول.
لمحتُ ابتسامةً عابرةً على شفتيها قبل أن يغلف الظلام الغُرفة، ثم أغلقت الباب وذهبتُ إلى المطبخ، هل سأرميها في سلة المهملات كما الحلم؟
لم يكن من عادتي الاحتفاظ بأي شيء، لم أشعر يومًا أنني سأفقد ما أملك، لأنه لم يكن كثيرًا في بادئ الأمر، لم أتخيل يومًا فكرة الرحيل وترك عالمي ورائي، لذلك، لم يبقَ لي من آثارهِ إلا القليل.
ترددتُ وأنا أحدّق في سلة المهملات، انتهى الحلم دون أن أرى إن كنتُ قد تخلصتُ منه فعلًا أم لا، لكنني سأحاول من جديد، سأغير هذه الأحلام وهذه الوقائع، لن أتخلص من ماضيّ، إنه جزء من روحي.
عدتُ أدراجي إلى غرفتي ووضعتهُ في سلة الغسيل، ثم ارتميتُ على سريري وأنا أشعر أن كل عضلاتي تتراخى وتتفكك بعد الضغط الذي وضعته عليها طوال هذا اليوم، على الأقل أنهيتُ أعمالي، والغرفةُ مرتبةٌ وهذا حدثٌ نادر، ستفخر أمي إن كان باستطاعتها رؤية ذلك، لكنها لن تراهُ أبدًا.
أنت تقرأ
المغضوب عليها
Mystery / Thrillerإذا لم تعرف إلى أين ستذهب، فالأجدر أن تُدرِك من أين أتيت. حين تخوض في معترك الحياة دون أحلامٍ أو أمنيات، فلا تتعجب كثيرًا مما ستفعله الحياة بك، ولا تعترض عاليًا حين تُقحِمك في ما لا تُطيق. نورة لم تعرف أيًّا من هذا، نورة لم تعرف أكثر من شيءٍ واحد،...