الفصل الثامن: صورةُ لقاءٍ ووداع.

404 45 65
                                    

أين تكمن المشكلة؟ من الصعب التحديد حين يتعلق الأمر بحنان، ربما حين شعرتُ أنها نقلت الموقف الذي وقعَ إلى شقيقها بالحرف، أو جوّدت القصة بآرائها الخاصة عني، فصار يزدريني دون أن يعرف عني أي شيء، ليس الأمر أنني مهتمةٌ بنظرتهِ المُبجلةِ عني، لكنني سأكون سعيدةً إن كان هناك نظراتٌ أقل لتحملها والتفكير بما تواريهِ كل مرة.

كانت جدتي جالسةً على رأس الطاولة، عن يمينها ويسارها جلس سالم ومحمود وأزواجهما، رغم أن خالي سالم أصغر من أمي، لكن لأنها باتت مُطلّقة... يمكنني الشعور بما تفكر فيه جدتي دون أن تنبس ببنت شفة.

سُكِبَت الأطباق وحضرت خالتي رانيا سابقًا، حتى أنها جلست بجانبي، كانت في التاسعة والعشرين من عمرها، لكنني شعرت أنها أصغر، تقربني سنًا لسببٍ لم أفهم كُنهه.

حرَصَت على ملء طبقي بكل شيءٍ رغم محاولاتي لثنييها عن ذلك، لكن انتهى بي المطاف بطبقٍ متخمٍ حتى آخره. كان أولاد خالي محمود جالسين بعيدًا، إحداهما في الثانوية العامة والأخرى في الإعدادية، أما الأصغر فقد بدا مُدللًا وكريهًا لأنه رفض الجلوس أو إطاعة أمه.

عدا عن فوضى ذلك الفتى وسلمى وأسامة، كانت الأجواء تبعث الدفء لسببٍ ما، بينما انشغل الكل في الحديث أو تناول الطعام، أصوات احتكاك الملاعق والشوكات، كنت أنصتُ لكل هذه الأصوات، التي بثت الدفء في صدري، وجعلتني أشعر بغرابةٍ، ولو وهلةً، أنني لستُ وحيدة.

كنتُ متأكدةً أن طعام جدتي شهي، لكنها تفوقت على نفسها هذه المرة، ربما لأنني كنت آكل فتات الطعام الجيد، وأتخطى معظم الوجبات لألّا أتذكر كل ما أكرهه وأنا أتأمل الطبق البلاستيكي البارد.

انشغل خالاي بالحديث مع جدتي عن محل القماش الذي تركه المرحوم لها، ويديرهُ كلاهما، لكن بدا من الواضح أن الكلمة الأخيرة لمحمود، تحدثت النسوةُ عن المسلسلات التي ستُعرَض في رمضان، أين ينوون قضاء الصيف، وملاطفة زوجة خالي سالم له لأنه يكره الشاطئ وإحساس الرمل بين أصابعه.

كما لو أنني في صباحية عيدٍ جميلٍ، تجمعنا حول المائدة، وسنتبادل التهاني بعد قليل، ربما حتى وهلةٍ قصيرة، أردتُ أن أتخيل هذا، وأن أصدقه.

بالطبع، لم يفوّتن الحديث عن الطهو، أو مدارس أولادهن، ومتى سيدخل حسام الحربية، وأن حنان ليست من الأوائل كما أخيها، لكنها ستكون دكتورة أطفالٍ ناجحة، فسرعان ما تداعبها زوجة خالي بأنها ستذهب بأطفالها إليها فورما تتخصص.

تحدثوا معي نادرًا، سرّني الأمر في الواقع، فقد انشغلتُ بتناول الطعام، أو بأسامة الذي يأتي ليُلقي ما يحمله عندي ويهرب بعيدًا.

رفعنا الأطباق معًا بعدما أنهينا طعامنا، وكُلِّفتُ بإعداد الشاي، حتى أن خالي سالم قال ممازحًا إياي: لنستعد لشرب ألذ شايٍ في العالم. وأعترف أن ذلك جعلني أبتسم كالبلهاء أمام موقد النار في انتظار غليان الماء.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 30, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

المغضوب عليهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن