رواية
عندما إلتقى نجمينا
فرح صبري
تنويه
احداث هذه الرواية من محض الخيال ولا تمت للواقع بصلة واي تشابه بينها وبين الواقع فهو من محض الصدفة
بالرغم من انني لا أؤمن بالصدفالحاضر
( لوسيل )
- باقي على التقاء النجمان خمس وخمسون دقيقة.
صفارات الإنذار انطلقت في المدينة، بدت منخفضة الصوت حتى ارتفعت فأصبح صداها يصل لداخل المنزل وكل ركن يحاول أحدهم الاختباء خلفه، صوت مُخيف يبث الرعب في النفوس، كما كان يقول انها قيامة العبيد وموسيقى تدعو للاحتفال للأحرار، لم يبعث هذا الصوت بداخلي شيء سوى انه قد ان الاوان للتحرك وان كل شيء يسير كما خطط له.
كانت امي واختي الصغيرة تقفان في الشرفة تراقبان الفوضى التي تحدث في الشوارع، وجدتها فرصة رائعة للخروج، حملت حذائي بيدي وسرت مرتدية جواربي القطنية لكي لا احدث صوتاً على الأرض الخشبية التي بدأت تتآكل، فتحت الباب بهدوء لألتفت للخلف اراهما، قد تكون هذه المرة الأخيرة التي سأراهما بها او أرى منزلي، أغلقت الباب بهدوء لأرتدي حذائي وانطلق اجري على السلالم القديمة وقد كانت الانارة خافتة لا تتيح لي الرؤية بشكل واضح، كل خلية داخل جسدي ترتعش، أخيرا خرجت من المبنى ما ساعدني هو ان الشارع الذي اقطن به قد امتلئ بالناس يراقبون السماء وحركة دوريات الشرطة، الجميع يُمكنه التكهن بأن هناك شيء غير عادي، لم يُسمع هذا الصوت منذ اكثر من عشرون عاماً على الأقل، سرت بين تلك الأجساد بسلاسة أحاول الخروج من هذا الحي، علي الذهاب الى، لا توقفت، علي ايجاده اولاً، فليذهب كل شيء للجحيم يجب ان اجده، نظرت لساعتي لقد مر عشر دقائق، يتحتم علي ايجاده ثم اكمال بقية الخطة، توقفت في محطة الباص حيث كان المنتظرون يثرثرون بعدة اشاعات قد تمت للواقع بصلة أولها ان وسائل المواصلات قد توقفت والبلاد في حالة طوارئ، حتى بدأ احدهم يسعل بقوة فهوى ارضاً، تجمع الناس حوله، كان شاباً فقال رفيقه بعد ان وضع رأس صديقه على فخذيه وهو يطلب المساعدة قائلاً: النجدة، احضروا سيارات الإسعاف، الأبراج النارية تفقد طاقتها.
صرخت سيدة بهلع: لهذا يوجد حالة طوارئ؟
ثم هوت امرأة اربعينية ايضاً وبدأ الصراخ ينتشر والفوضى تعم المكان، تمتم رجل عجوز كان يراقب بصمت مثلي قائلاً: اعتقد ان الحجر الملكي قد اختفى او حدث له شيء، هذا يُفسر اختلال طاقة الأبراج.
ارتدت كلماته داخل رأسي، اختفاء الحجر سيعرض الأبراج النارية للخطر؟ لكنه لم يخبرني بذلك، ان دل هذا على شيء فهو ان ميم بخطر الان.قبل عام من التقاء النجمين
بسام
التوافق، نظام بلادنا يقيم على مدى التوافق والتآلف بيننا كطوائف تنتمي لأبراج مختلفة، نحن نعيش بفضل النظام الذي تم وضعه لنا لأكثر من خمسون عاماً وهو الذي يُتيح لنا ان نتعايش مع من يشبهنا في الطاقة او ان توافقت طائفة برجه معنا، هذا النظام ساعد في بناء هذه البلاد المتقدمة التي تنعم بالامن والأمان، جميعنا يعلم ان الأبراج الهوائية تُقيم معاً، الترابية، المائية والنارية والتي تُعتبر هي السلطة العليا في البلاد، أتاح لنا هذا..
كلام مُكرر غير مفهوم تُردده مُعلمة التاريخ، بالرغم من انني تعلمته منذ الصفوف الاولى لي في المدرسة وككل سنة يجب ان يحتوي كتاب التاريخ على فصل يُعيد شرح نظام دولتنا العظيمة. احصل دوماً على درجات نهائية في جميع المواد الدراسية الا انني ولسبب أجهله لا اجدني اقتنع بكل ما تعلمته وحفظته.
انتهى الدرس الأخير وهممنا بالخروج بعد ان سمعنا صوت الجرس يُقرع في الخارج، الجميع اندفعوا للخارج بفوضوية فرحين بإنتهاء اليوم الدراسي الشاق بينما انا كنت اضع كُتبي داخل حقيبتي الرمادية بترتيب كما افعل دوماً، لم يتبق في الصف سواي انا والمُعلمة، كانت تهم بحمل حقيبتها فاقتربت لأعرض عليها: يمكنني حملها عنكِ تبدو ثقيلة.
ابتسمت بإمتنان لتدعني احمل حقيبتها التي قد تجمع داخلها عشرات الدفاتر التي ستقوم بتصحيحها، سرنا خارج الصف في الممر المفتوح للهواء الطلق حيث طلت اغصان شجرة الزيتون التي نبتت من الحديقة الصغيرة في الأسفل تسلقت عالياً وأصبحت سيقانها تدنو على الممرات في الطابق الثاني، قالت المعلمة اثناء سيرنا: انت ولد نجيب جداً، سيكون لك شأن عظيم في المستقبل.
سألتها: لماذا لا يمكننا ان نتوافق مع بقية الأبراج؟ أعني نتزوج منهم؟ يُصبح لنا أدوار أخرى غير التي يجب ان نقوم بها؟
توقفت واتسعت عيناها لتنظر الي بصدمة، بدأ وجهها البدين يتلون باللون الأحمر حتى رفعت سبابتها لتحذرني: كيف تُفكر بهذه الطريقة؟ هذا هو القانون.
سألت بصعف: لكن لم؟ من قال ان..
صفعة أصدرت صوتاً عالياً في المكان عندما اصطدمت راحة يدها بوجنتي، صرخت مذعورة: اخرس، لقد جن جنونك، ستذهب لرؤية الوكيلة وهي ستقرر ما يجب عليها فعله معك.
كيف لولد في سنك ان يتفوه بتراهات كهذه؟ انه ضد القانون وضد سيادة الدولة، ممنوع السؤال عن سبب وضع هذه القوانين، الرئيس حفظه الله ورعاه هو ينتمي الى السلالة الحاكمة الذين قد اسسوا هذه البلاد العظيمة وهم من سنوا هذه القوانين، لديهم اسبابهم ولديهم الكثير من الحكمة لفعلهم ذلك، كل ما يجب علينا هو اطاعة اولي الامر فقط دون المجادلة، هذا ما كانت تقوله لي الوكيلة وهي تحاول ان تُبقي نبرة صوتها هادئة وصارمة دون ان تفقد اعصابها كمعلمة التاريخ. أخرجت ورقة من أحد الملفات التي تصطف امامها على مكتبها الحديدي لتناولني إياها قائلة: يجب ان توقع هذا التعهد وتسلمني إياها برفقة أحد افراد عائلتك والا لن اسمح لك ان تُكمل دراستك معنا.
لا لا، كيف سأخبر امي عن هذا؟ هي تمنعني حتى من ادلاء أي سؤال فضول عن أي شيء خارجي فكيف ان علمت انني تلقيت لفت نظر من المدرسة بسبب شيء كهذا؟ حتماً ستُقيم قيامتي.
سرت عائداً على قدماي الى المنزل الذي يبعد عن المدرسة بعدة شوارع، لا يمكن لأحد ان يفهم ما امر به، هناك شيء يخنقني، يُكبل يداي، بأنني مُقيد في هذا العالم وأنني لست في المكان الذي يجب ان أكون به، الجميع يُشعرني بأنني غريب الاطوار او ربما أفكاري هي كذلك حتى وان لم اصرح بها.
وحدة قاتلة بداخلي، لا يُمكن للدراسة او قراءة الكتب، بل وحتى الرياضة ان تقتلها، جزء بداخلي مفقود، القلة من أصدقائي يُخبرونني بأنني اُعقد الامور اكثر من اللازم وأن علي تغيير الزاوية التي انظر بها للأشياء، اكره فكرة أنني مُختلف، لا افكر طوال الوقت بمرافقة الفتيات او جذب انظارهن الي، لا احب حضور الحفلات الصاخبة كما يفعل اغلب من طائفتي وسني، لست اجتماعياً بقدر كبير كما يجب ان أكون.
اقتربت من الشارع الذي اقطن به، قبل ان اتوغل بداخله وجدت قدماي تقودانني باتجاه مكتبة الامل التي فُتحت قبل عدة اشهر في حيينا، مكتبة تخلو من القرطاسية او أدوات الدراسة لكنها مُتخمة بالكتب لا يوجد بها سوى طاولة بكرسيين تجاور النافذة يجلس عليها المطالع، دفعت الباب للداخل ليتحرك الجرس المْعلق عند الباب فتحركت خيوطه وتصادمت الصدف مع بعضه البعض، رائحة المكتبة رائعة مُشبعة برائحة أوراق الكتب القديمة، كان صاحب المكتبة السيد سليم يجلس خلف مكتبه يدون بعض الأشياء، اصبح رفيق للمطالعة بعد ان أصبحت اتردد على مكتبته لينصحني بما علي قراءته.
رفع نظره عن دفتره ونهض من مكانه ليرفع احب حاجبيه قائلاً: يوم سيء؟
تنهدت وسرت لأستند على مكتبه: أكثر مما تتصور.
وانطلقت احدثه عن كل شيء، هو الوحيد الذي يستمع الى افكاري دون ان يقتلها بل يجعلها تنمو اكثر بداخلي، واحياناً يسقيها.