الفصل الثاني

455 15 3
                                    


                              سليم

أغلقت باب شقتي وانا بكامل اناقتي للذهاب الى الجامعة ككل يوم، اتبع الروتين المعتاد كما هو مُخطط له كذلك هذا هو الوقت اليومي الذي تخرج فيه جارتي العجوز التي تسكن في الشقة التي تُقابلني لتذهب الى السوق، ككل يوم تبتسم الي ابتسامة صفراء مُستعجلة تحاول خلقها حتى تجد احداً لتشتكي له عن جارها غريب الاطوار الذي لا يزور احد ولا يتحدث مع احد، أثناء خروجي ودخولي من المبنى والسير في الحي أرى بعض نظرات الخوف مني، يمكنني تفسير ذلك الى انتشار بعض الاقاويل عن كوني اعمل في المخابرات وأنني سكنت في الحي لأتجسس على احدهم، بطريقة ما هم محقين.
أوقفت سيارة اجرة بدت انها قد تعرضت لحادث مروع، جانبها اليمين قد انكمش قليلاً عند بقعة معينة، ترجلت بجانب السائق لأطلب منه الانطلاق الى الجامعة، عبث بالمذياع قليلاً حتى استقر على الاذاعة الوطنية التي ذاعت اغنية تُمجد الملك وتتغنى ايضاً بسلالته وبرج الأسد.
قال السائق بتذمر: لماذا لا يتغنون ببقية الأبراج، الا نملك الحق في ذلك؟
ابتسمت لتلك الحيلة التي تُعاد يومياً، كمسرحية ذاع صيتها حتى أصبحت تُقدم لسنوات وفي كل مرة تضحك لأنك اعتدت وحفظت كل حرف منها وهذا هو الجزء المضحك في الامر، يعتقدون ان الثوار حقاً سيقعون في شباكهم هذه، سنصدق تمثيلهم الضعيف، قلت بثقة: سلالة برج الأسد هم الذي يحكمون، لذلك علينا طاعتهم، ارفع صوت المذياع، احب هذه الاغنية.
قام برفع الصوت فأصبحت ادندن مع الاغنية وانا انظر عبر النافذة، رائحة وقود السيارات يحاول تخريب نسمات الهواء الباردة، الشوارع تمتلئ بصوره وصور برج الأسد، الواجهات التجارية معظمها مرتبطة بأشكال النجوم والفضاء، عيادات التنجيم تُنافس عيادات الطب البشري، كل شيء في هذه المسرحية يسير كما كُتب، الملابس والديكور، حتى الحوار، مجرد حوار مُتوقع ومكرر يتداوله العامة.
اخيراً وصلت الى وجهتي، دخلت الحرم الجامعي وسرت وسط الطلاب بكل شموخ وحبهم يحاوطني، هذه هي طبيعة البشر، يحبون من يُغذي خيالهم ويرسم لهم عالم مُختلف غير الذي يعيشون به، من ينتشلهم من ضعفهم ليقودهم الى مكان فيه يصحبون احراراً، خارقين في قواهم وقوانين مُجتمعهم.
وصلت الى غرفة الأساتذة التي يتشاركها خمس أساتذة يتقاسمون طاولة طويلة في المنتصف تُعيقهم من التمتع ببعض الخصوصية، كيف يمكن ذلك وانت موجود على هذه الأرض لتُراقب، ليتأكدوا ان القطيع يسير كما يشاؤون.
عند دخولي استشعرت وجود شيء في المكان، صُدمت من وجودها، بقيت متوقفاً انظر اليها، لم التقي بها لأكثر من عشر سنوات، لم تتغير كثيراً من الخارج، وانا كذلك، ظاهرياً اعني، اما من الداخل فلم يعد شيء كسابق عهده سوى حبي لها.
اقتربت مني لتصافحني وهي تبتسم، هي تعلم بوجودي، قدمها الي احد زملائي: اقدم لك الدكتورة سارة.
احتضنت راحة يدي يدها فشعرت بالجليد يذوب بداخلي، لكن لا يجب ان يحدث هذا، سحبت يدي فوراً، ابتسمت ورحبت بها لأخرج الى التراس الذي يطل على الساحة، أخرجت سيجارتي من جيب معطفي لأبدأ بالتدخين، سمعت صوتها خلفي قائلة: سليم اذاً!
التفت اليها وانا انظر في محيطها بعيداً عن عينيها: أعلم انكِ كنتِ طموحة لكن ليس لهذه الدرجة.
اقتربت من السور الذي اقف امامه قالت: ماذا كنت تريد مني ان افعل؟
- هذه ليست الحياة التي اردتها، ليست الحياة التي حلمتِ بها.
- هل الجميع يمكنه تحقيق أحلامه؟
قلت ساخراً: كفي عن هذا، انتِ تنتمين الى برج الحوت، حالمين، من مثلكِ لا يمكنه العيش بدون أحلام، تتنفسون املاً.
- هل اذنبت لأنني حلمت؟
- لأنكِ حلمتِ بحياة معي.
قطع حديثنا صوت لوسيل وهي تقول: صباح الخير استاذي.
التفت اليها لأجدها تقف وبجانبها بسام، عقدت حاجبي وتساءلت ما الذي يفعله هنا؟ قالت: أصر على المجيء معي.
سألته: من المفترض ان تكون في مدرستك.
رفع كتفيه قائلاً: من قال اننا يجب ان نفعل ما طُلب منا؟
نظرت الى سارة لتبتسم قائلة: لم تتغير ابداً.
ودخلت الى الداخل، خاطبت لوسيل: اتفقنا ان يكون لقاؤنا القادم في الجامعة كيلا نلفت الأنظار لكن وجود بسام.
قال بسام: ألم تقل انني عنصر مهم في هذه الخطة، علي ان اُحيط بكل ما يحدث وان لم يكن هذا هو الجزء الذي سأؤديه.
قالت لوسيل مبتسمة: سأقول انه اخي الصغير.

                               بسام

عندما التقى نجمينا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن