ويظهر مشهد تجسد أمامي وكأنه حقيقي بدأ يسرد الظل عن طريقه الحكاية:
- السابع والعشرون من أيار.. الساعة، الخامسة إلا عشر دقائق. يتأهب كلُ من في القطار للوصول الى أخر محطة في رحلتهم التي كانت قد بدأت من البلقان؛ ومن المفترض أن تنتهي في مدينة غرب القارة العجوز، حيث مدير شركة أنكليزيٌ يحتسي كوب الشاي المفضل لديه، واخرُ موسيقار عالمي يتدرب لحفلته الموسيقية الخاصة بزفاف أحد الأمراء الأوروبين.. وكذا بعض الآخرين ممن يتخبط في حساباته المصرفية، فضلًا عن سائق القطار الذي يبدو عليه شيءٌ من الارتياح، كانت أجواءً مثاليةً رافقتها قطة صغيرة رقيقة ذات فرو رمادي تلعب وتتقلب هنا وهناك بعيدًا عن صاحبها.. تتسلل من بين أرجل الركاب وتتحرك في الممرات لتصل أخيرًا إلى باب حجرة القيادة، التي يقف خلفها سائق القطار الذي كبتَ خوفه من القطط لصالح وظيفته فقط..
لم تحتج القطة من الوقت سوى خمس دقائق كي تدخل الحجرة خلسةً وتفزع السائق، لتجعله يدخل في حالة هستيرية فقد فيها تحكمه على القطار؛ وما هي بضع ثوانٍ حتى حصل.. بوم!
هكذا كان يتحدث بصوته الصاخب مع تلك الأجواء المرعبة، ليتجسد مشهد اصطدام القطار بجدار النفق الأيسر!! لتختفي الصورة من أمامي ويذكر الظل مكملًا :
- ماهي بضع ثوانٍ حتى أمسى القطار ومن فيه قطعة قطعة متناثرين في كل مكان، تلتهم النيران أجسادهم وأموالهم وكل ما أحضروه معهم.. لم تترك النيران أي أحد على قيد الحياة.. إلا القطة صاحبة اللعنة. قطتك تلك نجت بأعجوبة! فهي لا تزال حاضرةً معك، إلى هذه اللحظة.
هكذا اختتم سرده لقصة الأرواح هذه.. الأرواح التي تطاردني أينما حللت، أختتمَ الظل حله لإلتباسٍ بإلتباس آخر، بنطقه لعبارة " القطة صاحبة اللعنة " ترك داخلي العديد من التساؤلات..
هل قطتي حقًا ملعونة؟! و..والأرواح ( الشريرة ) التي تسعى لنهايتي، هي ذات أرواح الركاب أصحاب الفاجعة ؟! لماذا.. لماذا الظل لم يحرك شفتيه تلك وينطق بأجابات شافية! لما قد يتركني وسط كل هذا الغموض، كي أغرق مجددًا في بحر التفكير جاهلًا كيف أعوم ؟ إنه يخالني ساذجًا فأصدقه، احمقًا فأتبعه.. كلا، هذا الظلام الدامس.. لحظة، لقد بدأ بالتلاشي !
- أين ذهب الظل الآن ؟ وأين أنا فعليًا !
تسائلت داخلي هذا التساؤل ريثما كان الظلام والهدوء الذي عم المحيط الذي أنا فيه يتلاشى.. لتتبين حقيقة المكان الذي أنا فيه. دولابٌ مقلوب، نافذة محطمة، باب مخلوع عن مكانه ولوحة لي أنا وصديقي طريحة الأرض! لقد وجدت نفسي مستلقيًا على سريري المتواضع في غرفتي.. ويقابلني، يقابلني الجهاز الذي تحوم حوله كل التساؤلات، إنه المسجل!
المسجل الذي ضيقت من دائرة تفكيري به، لم أفكر يومًا في دراسته وفهمه بنفسه، وجدته وهو عالقٌ في داخله شريط ما، لا تزال تتكرر جزئيةٌ فيه مرارًا وتكرارًا إلى أن نهضت وتحركت صوبه كي أضغط على زر الإعادة.. أتحرك بخطوات متثاقلة وكأن المسجل يقع على بعد مئة متر!
لقد كان هادئًا أول الأمر، إلا أن وبعد الضغط عليه، بدت تتعالى وتتزايد أصوات غامضة ومتلابسة أشبه ما تكون بالترانيم المبهمة.. حتى ظهر الصوت الحقيقي، صوت التسجيل الجديد المصحوب بالصراخ المتكرر والحروف المبعثرة!
أنت تقرأ
«أَنَا وَقِطَّتِي»
Horror«لَعَلَّكَ لَم تَكُن عَالِمًا قَبلُ، أُو لَرُبَّمَا عَلِمتَ غَيرَ مُدرِكٍ، أَنَّ جَوهَرَ الحَقِيقَةِ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا المَوتُ دَائِمًا، وَأَنَّ الإِنسَانَ لجَحَودٌ مُحِبٌّ لِأَبَدِيَّةٍ فَانِيَةٍ، وَلِعَدَمِيَّةٍ كَاذِبَةٍ..» "أَنَا و...