تستَوطِنُني| ١٣

1.3K 85 11
                                    


تُتقِن الحياة انتِقاء طُعومها لاصطِيادِ مَن اصطَفته تسليةً لها، ومهما بلَغ مِن الجَبروت، لن يكونَ ندًّا لكمائِنها، ولا لمخالِبها حِينَما تشلُّ قدمه، فينزِفَ مبادِئه حتَّى المَوت، أو يفترِسه الجَوى دونَ أن يلقى مِنه مُقاومةً تُذكَر، لأنَّ بترها هُو خياره الوَحيد، ومَن ذا الَّذي قد تُسوِّل له نفسُه استِئصالَ إربٍ مِنها كضريبةٍ للنَّجاةِ مِن الهَلاك حيًّا؟

بأغلى ما لديَّ استَدرجتني نَزواتِي الضارَّة إلى أدغالِ الَضلال، أعمَتني ظِلالُ الجُنون وما اقتَدرت بصيرَتي أن تتمسَّك بفتيل العقلِ مرَّة أُخرى، ومِثل الضَّرير دببت في طريقٍ أعوَج، غيرَ مُكترثٍ لجُذوعِ الهفواتِ الَّتي كُنت أصطدِم بِها.

أنا الرَّجلُ الَّذي استَعاذ بالصَّمت، حينَما سَطت الويلات على عربتِه، وأبت أن تُخلِّفه شاهِدًا على جرائِمها، ولا أزالُ رهينةً للماضي؛ لطالَما نقَلت تصرُّفاتِي مراسيل دواخِلي إلى الملأ. أنا في الهَوى أعجميّ، ولِدت على الجانِب الآخر مِن مُحيطِه ثانيةً بعدَ ميتَتي الأولَى. جسَدي يغدرُ بي، رغمَ أنَّ كِبريائي روَّضه عَلى الانصِياع، ويرثِي على ثَراها ما ألمَّ بِه في حضرتِها، رغمَ أنَّها أراضٍ مُحرَّمة، لا يحقُّ لي انتِهاكُها، ولو كُنت مَن خلقَها!

مُكلفةٌ هِي كتسعيرة النَّعيم ولستُ غنيَّ التَّقوى، كلُّ الثِّمار في سِلالي فاسِدة، يستَكبر طيرُ الغُفران أن ينقب مِنها، وأسوأ ما قَد يُعذِّبُ رجُلًا سغِبًا مِثلي، أن يقِف عَلى أعتابِ منضدةٍ مَحفوفَة بالفِتنة، يفوح مِن أطباقها عبقٌ أنثويٌّ شهيّ، ولا يستَطيعَ الجُلوسَ إليها. يستعِر سُخطِي، كُلَّما تمادَيتُ في التَّفكير، وتخيَّلتُ ذكرًا غيري يُتوَّج بعرشِها، ويعرجُ عَلى مناقِبها. هِي جُزءٌ مِنِّي، ولكنَّها لن تكونَ يومًا ملكي. علاقتُنا بور، حتَّى وإن حرثُتها الدَّهر بأسرِه على حِساب المنطق، فما سوفَ أجنِي مِنها سِوى الثَّرى، لقد قيَّدتنا الحَياةُ بأغلالٍ يستَحيل كسرُها.

غفوتُ بسلامٍ مُتغافلًا عَن جنحَتي، وعيتُ ورأسِي مُستلقيةٌ على نُمرقٍ باذِخ ينتمي إليها؛ فخذها. أدركتُ أنَّها آثَرت النَّوم في وضعيةٍ غير مُريحة على إفسادِ غفوَتي؛ هي تعلَم أنَّ الأرَق خليلي، ومُقلتايَ جارِيتاه، كُلَّما حلَّ اللَّيلُ راوَدهما. ذكَّرني الورَم الطَّافِح عَلى أديمِها بقُبلتِي الَّتي انتَهجت منحًى عنيفًا وفاحشًا، وكَم أبغضت نفسِي!

في الصَّباح، غادَرت المَنزل بانفِعال، بالَغت في التَّمارين الرِّياضيَّة، ثمَّ شغلتُ نَفسي بتسويَة إجراءات إقلاع الطَّائرة الجديدة، سأقودُها إلى فرنسا بعدَ يومين. أردتُ نسيان ذِكرى اللُّثمَة الآثمَة، كيفَ تغنَّت بِها، وكيف طالَبت بالمَزيد، والتهرُّب مِن مواعيد السُّهاد. أكثر ما يُقلق راحَتي أنَّها لن تَردع الذَّنب، بل ستَتوارى خلفَ دِرعي، دونَ أن تكترِث للحِساب. أنا رجلٌ مَمنوع، وهِي أنثَى لن تتَوانَى للحظةٍ في رشوةَ جمارِك أخلاقِها لتُهرِّبني إليها.

Shameless| القَلب يأمُرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن