وهِي أنثَى النَّكباء| ٢٤

1.1K 59 21
                                    


في زِنزانةِ الحرمان كُوَّة وساوِس فاحِشَة تتعهَّد العُيونَ بالسّلوان؛ عينيّ سجين كبَّل العَجزُ كاحِلَ نُفوذِه، فرَثى حالَه مُرتقِبًا مُعجزة، إمَّا أن يُفرَج عَنه، وإمَّا أن يألَف ظُلماتِها، ويرضَى بجِنسيَّتِها، بلا تَثريب.

لا نُدرِك أنَّ ما بينَ أيدينَا ليسَ سِوى غُثاءَ اللذَّة، جرَفته سُيول الزَّمنِ إلى محاجِرنا، إلى أن يقطُر في ألسِنتنا نصيبٌ مِن شهدِها الحقيقيَّ، نبذةٌ وَحيدةٌ عن مقاماتِ النَّعيم تُلهِب فتيلَ السَّغبِ في الأنفُس الجشِعَة بطبعِها، وتُنفِرها مِن مخدعِها المُقتِّر.

في كُلِّ صُلبٍ مَهما صلُبَ فيه القُنوتُ ومَهما ضحَل فيه التهتُّك، تكمُن بذرة انحِلالٍ خامِلَة محلُّها حضيضُ الأنفُس، بانتِظارِ سحابةٍ تهييجٍ لتَسقيَها، وحينَما تدبُّ جُذورَها رويدًا رويدا دونَ أن تبوحَ بتحرُّكاتِها، وتتفشَّى كالسَّرطانِ في أحشاءَ المُهجَة، مُتلفةً خلايَا الحَصافَة في العُقول، يكون الأوانُ قَد فاتَ عَلى اقتِلاعِها فُرادَى، بلا مُستَعمراتِها، لأنَّ اقتِصاصَ جُذوعِ الإثمِ لا يُبيد جُذورَه، سوف تفتأ تبثُّ نسلَها في ثَرى الأيَّام، هفوات تنضُج خَطايا.

لطالَما تباهَيتُ بثباتِي في وجهِ العَواصِف الأنثويَّة مهما طغَت حواصِبها، لكنَّ نسمةً مِن جنوبِها الحارِّ طيَّرت عَقلي مِن مُستقرِّه، كأنَّه محضُ غَبرة، ورَعنت شراييني المُدبَّجة سُفلَى أديمِي بهيئةِ حُروفِ اسمِها فغلت دِمائي شوقًا، ونزَفتُ امتِعاضًا. هِي الَّتي اشتُقَّت مِن ضِلعِي الأعوَج، حيثُ تحجَّرت جميعُ عُيوبِي، وبُعثَت إلى الدُّنيا أنثَى رِجس بعَينيّ فِردَوس وأجنِحَة إبليس، ما انفكَّت تُسجِّر مَبادِئي، وتُشجِّر الانحِلالَ فوقَ أطلالِها.

وليسَ ذنبَها أنّها مِن أمشاجِ رجلٍ مميت وامرأةٍ خبيثَة.

وسِعني الاستِعاذَة بِها مِن فَيافي الثَّوانِي المُضنيَة مُتشابِهة الرُّبوع، حيثُ الضَّلالُ نزعَة، والاختِلاء بمُروجِها الخَضراء فالاختِيال عليها؛ مُقلتاها تُخبِراننِي أنَّ الحُدودَ نُصِبت لتُنتَهك، وتُناجِيانني أن أنتهِكها وآتيها واصِبًا فتُصوِّب أمراضِي!

وجَب عليَّ أن أعدِم محاوَلاتِها في لفتِ انتِباهِي، واستِحضارِي مِن وكني بشعائِر تمرُّدها، قبلَ أن تُفلِح في لقحِ رغباتِي المَكبوتَة بأجداثِ الحِلم في شِغافي. هِي مِثل الكتابِ المَفتوحِ أمامِي، بلمحةٍ واحِدَة أنهَل ما يجولُ في فِكرها، أسبابُ أفعالِها ووجهتِها القادِمَة قبلَ أن تتَّخِذها.

استَدرجتني إلى كَمينِ الصُّلح، حتَّى أعدِل عَن قَرارٍ جائِر يُحاكُ في عَقلي، لكنَّها فشِلت في استِمالتي إلى هُدنَة. مُذ سطَع تعصُّبِي عَلى قَراري، لاذَت بالنَّافِذَة هُروبًا مِنِّي متيحةً لِي إطلالةً جانِبيَّة لمُحيَّاها، كُنت أسترِق النَّظر إليها بينَ الحينِ والآخر، مَسحورًا بخِلقتها الَّتي حرَّفتها دونَ إذني، خُصلاتُها تتَراقَص عَلى مواويلِ النَّسيم مِثل أجنِحَة العَنادل، بينَما أنامِلها مَشدودةٌ وسَط قَدميها بتوتُّر، وما غرَّني الوغَى المَكنون في صَدري عَلى تخريبِها.

Shameless| القَلب يأمُرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن