فكَيف نُجبَر| ٣١

1.1K 62 7
                                    


مِن بُؤبؤين، ينبعِج الرَّاحُ عَلى شِغافٍ قِفار، توالَت عَليه مواسِم الوَيلات دونما فواصِل غيثٍ ترقعُ شقوقَ أساه، ويلاتٌ تختلِس كُلَّ ما ادَّخرته مكامِنه لساعاتِ اللَّوعَة، كَأنَّها بمناسِك الفسادِ مولعَة. وفي بُؤبؤين يُقبرُ الارتِياح، بعدَ أن يغتالَه القدر، أو ينفجِر بِه لُغم فِصالٍ في حقلِ الوِصال الأرغد، يُضرِمه، وعَلى ثَرى الهُمومِ رمادًا غيرَ قابلٍ للجمعِ يتناثَر، فأنَّى يُبعَث؟

كَما تُغنِي النَّظرةُ الموشَّاة باعتِرافاتٍ ذهبيَّة القلبَ المُعدَم، ولو سرَقها مِن عرباتِ الغَفلة كقاطِع طريق، تقتُله قبلَ أن يعلَم أنَّها غُمِست في سُمومِ النَّكبات، اعترافاتٌ استأبَى أن يتَنازَل عَنها لسانٌ في وَغى الكبرياء، لصالِح مُهجةٍ دُفنَت في جدثِ جسد، إذ أسرَفت في الإجرام، أو لعلَّ الجسَد تبرَّأ مِنها، وكبَّ اللَّومَ عَليها فُرادَى، رغمَ أنَّه مَن فحَّ فيها نزواتِه، كإبليس. مُهجةٌ طَعنها الوَجع، حينما توغَّلت في الغَوائِل، وما أدركت أنَّ الكِفاح أفلّ إلّا وصبرُها عائِل!

وإنَّ امرأةً ذاتَ مهًا رشوفٍ قد لسَبت النُّهى، فتردَّى طريحَ الهَوى. بينَ أفٍّ وأفّ، يُناجِي لطفَها مِن حُمَّى الغواية، أن ارأفِي بمُدنفٍ يفتِك بجَنانِه هَيام مُقلتيكِ، إذ تذروه في صحارِي الجُنون الذِّكرى. امرأةٌ سبَت الحواسَ والشَّوى، بعدَما غزَت أحياءِ رُشدِي، وزجَّت كيانِي في أقفاصِ الحيرةِ، وعندَما كسرتُ أغلالَ السُّكون، وجدتُني مهجورًا إلَّا مِن المبادِئ الَّتي أنجبتها فيَّ العِبر الحياتيَّة بمشقَّة. بأنامِلها المُرهَفة أبادَت حضارَتي، وشيَّدت أخرَى تليقُ بمقامِ رقّتها، على ذوقِها، وغشِي أريجُها مُنعرَجاتي كالرَّحيق، يلقِّح ورودَ الانصِياع في بساتيني الضَّحلة.

هي غمامٌ في سماءٍ حلَفت أن لا تُحالِف الصَّفاء، دَريتُ مُنذ طليعَة جيوشِها أنَّها لَن تصبَّ عليَّ شآبيبَ خير، تربِت عَلى أرضِي الصَّلبة، بل ودقٌ حِمامٌ سيُغرِقني في الحُزن، مِن أخمصِ الحبِّ، إلى أقصَى الهَوس. وإن يصِحَّ عَقلي عقِب جلداتِ المَنطق، ودواء الواقِع المرِّ الَّذي يهوِّن نزعتي الغريزيَّة للفجور، ربَّما وِجدانيَّة، تأتيني لحظاتٌ فيها أنتكِس.

مُنذ أن تعاطَيتُ أفيون الشَّغف الَّذي لا ينبتُ إلَّا في مَرجيها الأخضَرين، ومنحَني النِّعمة ونقيضَها؛ نشوةً مستطيرَة، ودجنةً مسعورَة، سعادةً وتحسُّرًا، قيامةً وانكسارًا، اعتزلتُ غيرَها رغمًا عنِّي. وجثَت شَياطيني أمامِي متوسِّلةً أن أتغاضَى عَن العَداء بيننا، لأقتصَّ مِن هذا التَّعب، متسوِّلةً حفنةً مِنها.

لا أنفكُّ أفكِّر في رايفن، حتَّى وأنا أحتلُّ يمينَ امرأة أخرَى، عَلى وشكِ أن تصفِّد إخلاصي بخاتمِ خِنصر، لَن يسع أيسَري الَّذي آمنتُ أنَّه سُحِق، حتَّى ضاهَى الحَصى، فبيَّنت لي أنَّه ما يزالُ في الهَوى جلمودًا، ومهما طرَقته الأخرَى بزَخمِ انبِهارها، لَن تنقش اسمَها عَليه؛ لأنَّه يَنتمي إلى غادةٍ بدائيَّة، جُدرانُه مليئةٌ بطلاسِم اعترافاتِها، ونَدى قبلاتِها عالقٌ في جحورِه.

Shameless| القَلب يأمُرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن