ألحّـبُ هـوَ التَـوأم اللطَـيَف للمَـوتُشاهدت أمامها أقدم جنية عرفها أهالي قرية الجساسة كانت امرأة يطلقون عليها لقب ذات الطائر الأحمر، اسمها الحقيقي «تاج» وكان جميع من في القرية يخافون منها ويحاولون قدر الإمكان اجتناب غضبها، ورغم تقدمها في العمر إلا أنها لا تزال تحتفظ بقدر كبير من الجمال يخبرنا بأنها كانت شديدة الفتنة عندما كانت أصغر سنا: لها شعر غجري أسود اللون يتخلله بعض خصل الشيب الرمادية، وبشرة بيضاء مشدودة مثل جلد حصان سباق، وملامح هادئة تشبه وقت غروب الشمس..كانت تاج تمتلك طائرا نادرا أحمر اللون مرقشا بحبات ريش برتقالية،
كان ذلك الطائر من فصيلة العنقاء اسمه «إكليل» وقد قامت بسرقته من عش والدته عندما كان لا يزال داخل البيضة، لذلك استطاعت ترويضه وجعله خادما لها.. ثم ولأن ذلك الطائر الأحمر لم يكن يفارق تاج، وكان مثل ظلها تماما يذهب معها أينما تذهب فإن أهالي قرية الجساسة مع الوقت نسوا اسمها الحقيقي نهائيا، وأصبحوا يطلقون عليها لقب ذات الطائر الأحمر.. قالت القابلة ماريا بخوف شديد:ما الذي جاء بك إلى هنا؟!
- تعلمي أن لا تحشري أنفك في الأمور التي لا تخصك يا ماريا، فلو أنك قبل قليل لم تأتي بذكر غياب زوجها بحر لما قامت جومانا بطردك. لم تتفاجأ القابلة كثيرا لمعرفة ذات الطائر الأحمر بذلك الأمر، فقد كان من الطبيعي جدا أن تعرف تلك الجنية بأكثر الأشياء السرية التي تدور خلف الأبواب المغلقة.حاولت ماريا الدفاع عن كرامتها:
- السيدة جومانا لم تقم بطردي لقد صرفتني فقط لأنها تشعر بالتعب - نعم بالتأكيد - قالت ذات الطائر الأحمر ساخرة - لا بد أنها شعرت
بالتعب من ثرثراتك التي لا تنتهي!!
لم تحاول القابلة أن تجادل في الأمر أكثر:- م م.. معك حق أنا ثرثارة وكلامي لا ينتهي!! قالت ذلك ماريا بتوتر واضح ثم هرولت مبتعدة وقد أنساها الخوف أن تحمل معها كيس القماش من على الأرض. -إكليل - قالت الجنية تحادث طائرها الأحمر - أبقى هنا ريثما أعود زعق
إكليل وهو يرفرف بجناحيه الطويلين في الهواء فقالت:
- لا لن أتأخر سأنجز ما جئت من أجله ثم ترحل سريعا.
سارت بخفة في ساحة البيت الداخلية متجهة نحو الغرفة التي ينبعث من نافذتها إضاءة خافتة والتي تجلس فيها جومانا وحيدة مع ابنها الرضيع، وكانت ذات الطائر الأحمر في كل مرة تمضي فيها بجوار قنديل مطفأ معلق على الحائط تعود النار للاشتعال فيه فورا وبهذه الطريقة ما كادت تصل تلك الغرفة حتى أصبح جميع البيت مضاء من جديد.
فتحت باب الغرفة نظرت نحو الطفل وقالت:
- يبدو أنه في صحة جيدة يا جومانا!!التفتت جومانا نحو مصدر الصوت بدهشة: - أنت بالذات ليس مرحبا بك هنا - همست بنبرة حادة.
تساءلت ذات الطائر الأحمر بيرود لا يلائم حساسية الموقف:
- ألا أستطيع الاطمئنان عليك حتى في مثل هذا اليوم؟!
- لا أريدك أن تطمئني علي – ثم أضافت بتوتر: لقد حذرتك أكثر من مرة بأن لا تحاولي الاقتراب مني!!متى تفهمين أيتها الحمقاء أنني لن أقوم بأذيتك ؟!- ولكنك قد تؤذيني بقدومك إلى هنا، فلن تسير عرف زوجي بالحقيقة!! الأمور على ما يرام لو - أين هو زوجك هاه - تساءلت بحنق - لقد مضت شهور كثيرة على
اختفائه!!
بخيبة أمل سحيقة نظرت جومانا نحو الأرض وهمست: - ولكنه قد يأتي في أي لحظة!! - وماذا سيحدث لو أنه عرف بالحقيقة ألا تقولين بأنه يحبك؟!- نعم يحبني ولكنني لا أريده أن يكتشف بعد كل هذه السنين الطويلة التي قضيتها معه، أنتي.. أقصد أننا.. أعنى أنك - لم تعد تعلم ماذا يجب عليها أن تقول لذلك فإنها أخذت نفسا عميقا، ثم أكملت جملتها قائلة: أنت
ما الذي أريد قوله بالضبط !!
- لماذا تخجلين؟! لا أحد يخجل من حقيقة أصله قولي له بأنك ....
قاطعتها جرمانا قبل أن تكمل جملتها:- لماذا لا تقولين لي أنت عن سبب مجينك هنا في هذه الليلة؟!
- من أجله – قالت الجنية العجوز وهي تشير بإصبعها ذي الظفر الطويل نحو الطفل النائم، ثم أردفت: هل أستطيع إلقاء نظرة عليه أم أنك ستحرميني من ذلك أيضا؟!ولأنها تعلم بأن ذات الطائر الأحمر لن تؤذي طفلها لن ترحل قبل تقول لها باستسلام ومن أن تحقق ما جاءت من أجله، فإنها ماته نحوها وهي : غير أن يساور قلبها الشك بحقيقة ما هو قادم :
- حسنا - وأردفت بحزم: ولكن بسرعة!!
حملته بين يديها وهي تبتسم تأملت فيه قليلا ثم همست متسائلة:
- هل ستقولين له عندما يكبر بأنه مختلف عن البقية وبأنه....
صرخت عليها مقاطعة حديثها قبل أن تكمل:
- هذا يكفي يا ذات الطائر الأحمر!!أدركت أنها أغضبت جومانا كثيرا فقالت لتغير الموضوع:
- هل أستطيع أن أتمنى له في أذنه أن يعيش حياة سعيدة؟!
كانت تلك إحدى عادات الولادة في قرية الجساسة حيث تقوم الأم باختيار الصديقة الأقرب لقلبها وتطلب منها أن تتمنى في أذن مولودها أن يعيش حياة سعيدة، وكانت الأم تحرص كثيرا في انتقاء تلك الصديقة لأنهم كانوا يعتقدون بأن شقاء المولود وسعادته مربوطان بصلاح قلب الشخص الذي سوف يتمنى له..
- وسترحلين بعدها؟!
- نعم سأرحل
رفعت ذات الطائر الأحمر الطفل إلى مستوى فمها ثم بدأت تتمتم في أذنه بصوت منخفض متظاهرة بأنها تتمنى له أن يعيش حياة سعيدة ولكن في الواقع لا أحد غير الرب يعلم ماذا كانت تلك الجنية العجوز تقول في أذنه بالضبط.. وحين انتهت من وشوشته ألصقت أذنها على صدره وأصاخت السمع لصوت دقات قلبه..
في الحقيقة لم يكن أحد في العادة يستمع لصوت دقات قلوب المواليد بعد الانتهاء من التمني لهم في آذانهم، لهذا ربما تساءلت جومانا بشك:
- ماذا تفعلين؟!
أجابت بتوتر:
- ششش، اصمتي قليلا!!
وبعد فترة من الوقت ابتسمت ذات الطائر الأحمر أخيرا وتنفست الصعداء إذ إنها تحققت مما جاءت من أجله، أعادته إليها ثم غادرت دون أن تتكلم.. ولو أن الطفل فقط استيقظ في تلك اللحظة من نومه وفتح عينيه، لكانت أمه سوف تشاهد في عينه اليسرى وهجاً أحمر اللون غريب..الـنهـايـه ..
ڪل شَـيء سيمضي أنـت فقـَط عليـَك أن تصـمَد لبـعَض الـوقـَت، أن تقاتـلَ مـن َأجـل الـوقَـوف مهمـا اهتـزت الأرض مـنَ تـحـت أقـدَامَـك
الـمؤلـف " أحـمـد آل حـمـدان"
الڪاتبـة 'البُنّ"
