ألحّـبُ هـوَ التَـوأم اللطَـيَف للمَـوتُظنت جومانا أنه مهما كان ابنها غاضبا منها فإنه سيعود إليها قبل غروب الشمس.. ولكن الشمس غربت منذ أكثر من خمس ساعات ولم يعد، فيدا وجهها أكثر شحوبا وأصبحت نظراتها شاردة كما لو أنها سوف تصاب بعد قليل بالعمى.. ما الذي أصابها حتى تصفعه على وجهه وتطرده خارج البيت بتلك الطريقة؟! هي لا تملك إجابة عن تلك الأسئلة التي تدور في عقلها، ولكنها كانت تعرف شيئا واحدا فقط وهو أنها أصبحت شخصا آخر عندما بدأ قلبها يشتعل بالغيرة..
وبينما كانت مشغولة بالبكاء والندم على ما فعلته به لم تنتبه جومانا، إلى صرير مفاصل باب البيت وهي تطلق أنة خفيفة تشي بأن أحدهم قد جاء.. ثم فجأة امتدت يد في الهواء وربتت على شعرها الرمادي الناعم:
- لا تبكي
رفعت رأسها ونظرت نحوه بندم:
- آسفة لم أكن أقصد أن....
اغلق فمها بيده الصغيرة العابقة برائحة الدموع والتراب والحزن: - أنتِ أجمل منها - قال الطفل - أنتِ أجمل أم في الدنيا كلها!!
- ما الذي أفعله لكي تسامحني؟! قصة – قال متبسما ثم مد يده كي يساعدها على النهوض: اتفقنا؟! - اتفقنا - قالت وهي تمسك ذراعه وتستعين بها لتنهض ولكن قبل أن يذهبا لغرفة النوم توقف الطفل مكانه وقال:- هناك شيء آخر أريده منكِ يا أمي
- أي شيء لأجلك!!- أريدكِ أن تنسيه – ثم أضاف بصوت جاد: أعني بحر جلست على ركبتيها حتى تصبح في مستوى طوله، وقالت:-
والدك في خطر وهو بحاجة للمساعدة!!
- أي خطر ؟!
- لست متأكدة - قالت بتردد
ورغم أنه لم يكن يحب والده إلا أنه أيضا لم يكن يتمنى له الشر:
- إذا دعينا نذهب إليه حتى نرى ما به!!
- لقد تأخر الوقت.. ستنام وعندما نستيقظ نذهب إليه، اتفقنا؟!
- اتفقنا - قال
: كانت جومانا في تلك اللحظة تشعر بالضعف أكثر من أي وقت مضى، مشتته هي بالأحدات التي تدور حولها نخاف من كل شيء وليست واثقة من قدرتها على الصمود أو كنم الأسرار في صدرها، تشعر بأنها تائهة في فضاء مظلم حيث لا إنارة ولا إشارة تهتدي بها للطريق الصحيح، تتمنى من كل قلبها لو كان بإمكانها وضع حد لكل الأشياء التي تحيط بها، نظرت نحو ابنها وقالت:احضر لي بعض الماء ثم تعال لأحكي لك قصة.
ذهب إلى المطبخ، أمسك بجهل جرة الماء البنية التي كانت الساحرة أبار قد وضعت فيها الشم، ثم صب الماء لوالدته منها وعاد ليعطيها الكأس، وهو لا يعلم بأنه كان يقدم لها الكأس الأخيرة!!
وعندما أفرغت والدته كأس الماء في جوفها، سألها ببراءة:
- هل أحضر لك المزيد؟!
ردت وهي تمسح فيها بكف يدها:
لا، هذا يكفي.
ثم ولان موعد النوم اقترب فإنها قالت:
- هل أنت مستعد لسماع القصة؟!
- ليس قبل أن أطفى قناديل الحائط وأغلق الأبواب والنوافذ!!
أما جومانا التي بدأت تشعر بزوبعة خفيفة تدور في رأسها، فإنها قالت
لطفلها قبل أن يغادر: لا تتأخرا!
حين عاد إليها بعد أن أكمل مهمته التفقدية على مرافق البيت، وجدها ممددة فوق فراش النوم تمسك بطنها بكلتا يديها، وتتألم بشدة سألها: