ألحّـبُ هـوَ التَـوأم اللطَـيَف للمَـوتُمن في ذلك الزمن البعيد عاشت مملكة أبابيل في عصور لا نهائية من الانحطاط والظلام والجهل، حيث كان النادر جدا أن يهتم أحد من أفراد الشعب بتحصيل العلوم والمعرفة، وربما العلم الوحيد الذي يسعى الجميع للحصول عليه هو تعلم الفنون القتالية كالرماية والمبارزة بالسيف وركوب الخيل.. وكانت تجارة الجواري والعبيد وأنواع التجارات القليلة الأخرى كبيع المواشي والجلود والصوف والأواني الخزفية البدائية ذات الصناعات اليدوية هي الشغل الشاغل لهم..
ورغم ذلك إلا أن جومانا حرصت على تمكين ابنها من تعلم القراءه والكتابه،
ولم تكتفِ عند ذلك القدر فحسب، بل أرادت أن تقوم بإرساله إلى الجد نوفل وهو رجل طاعن في السن يشاع بأنه يعتنق إحدى الديانات السماوية القديمة وهو الشخص الوحيد المتعلم في قرية الجساسة..
غير أن الطفل كان له رأي آخر في هذه المسألة:- لقد قمتي بتعليمي القراءة والكتابة وهذا يكفي!!
تمسك أرنبة أنفه بلطافة: - نعم لقد أصبحت تجيد القراءة والكتابة أيها الرائع، ولكن هناك الكثير فقالت جومانا وهي :
من العلوم المهمة الأخرى، والتي سوف تتلقاها بشكل أفضل لو أنك ذهبت للجد نوفل...
كان هناك شيء غريب وجذاب في طريقة حديث جومانا يجعل ابنه يحب النظر إليها وهي تتكلم معه، فهي طوال الوقت تحافظ على طيف ابتسامة
لا يغادر وجهها، وتصب كل تركيز عينيها عليه فتجعله يشعر وهو يتحدث معها...
كما لو أنه أهم شيء في الدنيا.. أكملت قائلة:
- لى تبقئ صغيرا طوال عمرك يابني ستكبر يوماً ما وسوف تحتاج حينها لعقلك في هذه الحياه
- ثم أضافت وهي تلكز بإصبعها رأسه وتقول بطريقة محببة: ولن يصبح عقلك هذا مفيدا من غير أن تغذيه بمزيد من العلوم والمعرفه ، اتفقنا؟!
- وإذا وافقت على الذهاب للجد نوفل فهل ستأتين معي؟!
- لقد أصبحت أكبر من أن تحتاج لمرافقة والدتك – أجابت بحنو. - لا أزال صغيرا فأنا في الرابعة عشرة من عمري فقط – ثم أضاف متسائلا:
-هل ستأتين معي عند الجد نوفل ام لا؟!
- ستذهب وحدك وسأظل في انتظارك هنا حتى تعود وتخبرني بالأشياء
تعلمتها هناك، اتفقنا؟!
-لا لم نتفق – قال بعناد - لن أذهب إلى مكان لا تكونين فيه معي!!
- وإذا قلت لك من أجلي؟!
- أنا أفعل أي شيء من أجلك ولكن ليس هذا الطلب أرجوكِ قال ذلك ثم صمت فجأة واذ سمع هسيس أقدام تتحرك عند عتبه باب البيت
- ماذا هناك؟! -تسألت امه.
- أبقي مكانك - أجاب وهو ينهض .
ثم امسك فرده حذائه وذهب ليستطلع الأمر وبعد قليل هتف.
- إنه بحر ياأمي!!* *
ك زمن
ك الك
ومثل عرائس الماريونيت والتي يتحكم بها شخص ما عبر خيوط دقيقة من خلف الستار، راح الحنين بخيوطه اللامرئية يحرك جومانا نحو زوجها.. بدا وجهه المتعرق بفعل حرارة الشمس أكثر شحوبا من المرة الماضية عندما جاء جعل لزيارتهما قبل أربع سنوات، وأسفل عينيه الحادتين ترتسم دائرتان بلون البنفسج تدلان على إرهاقه، ورغم ذلك الذبول إلا أن تينك العينين كانتا
تزالان نقطة ضعفها.. قال بحر وهو ينظر نحو ابنه: