١- ألحاني

151 17 34
                                    

٥:١٥ م.

لم أتعجّب كون الأيام تمضِي بمُهلٍ، لم أكترث كثيراً كونَ عُلبة البُن لديّ نفذَت من مُحتواها المُعتاد، لم أعُد أعزِف بإبتسامةٍ وبهجةٍ بيّنة،
أعزفُ والبؤسُ يتسلل لمعالِم الألحان، أنا أعزفُ لأنني لا أتذكّر شيئاً من حياتي، و هذا ما يتطرّأ لي بذهني، ان أكون أنا ألحاني؛
أيُعقل أن يكون المرء ما يعزِف؟ فقط؟ فأنا فاقدٌ لكلّ ما يمكن إمتلاكه؛
انا فقدتُ كل شيءٍ، أعزفُ لعلّني أستعيد ذاتي التي فرّت الى مكانٍ بعيد، كما فرّت الأشياءُ مني،
انا لا اُجيد شيئاً، أكتبُ وأعزفُ، وها أنا بمطرَح سكينتي -المُزيفة من قِبلي- أستعجبُ الليل كيفَ هو طليقٌ و جارٍ بين كل هذه النجوم.
وإنقضاء الفجر زرعَ فيّ الخوف من التغيّر، باتَ الليل يرهبني لفكرة أنه إسودادٌ مُرٌ لا يبقى ولا يفنى.

٨:٣٠ م.

تربّعت على مقعدٍ بُنيٍ يكفي شخصينِ، وغيتارِي بين يداي اُمسكه بإحكامٍ، أرى نهايات شعري.
اُمرر أصابعي على الآلة، اعزفُ ألحاني، أعزفُني؛ أو حكايةٌ لستُ ادري متى بدأتها وعِشتها، ومتى إنتهَت.
يبدُو أنني سلّمتُ نفسي للفراغ، أجدني بين كل اضطرابٍ يضطربه، أعرف أنني اطوق للحرّية، جدًا.
لستُ سجيناً، لستُ وحيداً جداً حتى، ولكنني فقط افتقر لشيءٍ ذو اهميةٍ كُبرى، شيءٌ بحثتُ عنه عقودٌ وسنينٌ، شيءٌ يبحث عني وابحَث عنه وكلانا يطوقُ للآخر، انا افتقرني انا و الأمل.
أعلم أن تتلبسني بشكلٍ لبق، وأنني بيِّ دون منازع، ولكنني لازلت لا أشعر بي؛
اطوقُ للحُرية الأبدية، أن أغدو حراً من كل الأشياء، حُرٌ حتى منّي ومن قيود عقلي السجين،
كالضوءِ المُنبثق من أعلى القمم، كالنسر أو الصقر، كنسمة هواءٍ باردة وناعمة، تنزع مُجسدات الماضي من العقول وتُفتت ما تبقى من شظاياها

لا أعلم متى أتيت إلى هنا وتربعت على هذا المقعد، في هذا الفناء الواسع، هنا تُلعب كرة السلّة،

توقّف، سأحضَر غداً

تسللَت نبرة شبه عالية من خلفي لألتفت حيثُ اتى مصدر الصوت، ببعضٍ من التأكُد أنه هُو، لن اُخطئ في هذا

لم اعِر اي شيءٍ اهتمامٍ كبير، واصلتُ عزفي اتأمّل الفراغ،
لرُبما لا يبتغي لقائي

حسنًا اذًا، الى اللقاء

إنه هو كما توقّعت، إقترب مصدر الصوت
لازال بصري مُعلق على الجيتار، وأصابعي تمرّ على أوتاره بحركةٍ أهدأ

يمكنك أخذ راحتك كما كنتَ تفعل

تجمّدت اصابعي على الأوتار، لأرفع نظري اعلى يميني بسرعةٍ حيث هو، كيف لم أشعر بإقتراب خُطاه، أريح الجيتار على رجلاي

ميموريا: ت.چحيث تعيش القصص. اكتشف الآن