٥

64 7 32
                                    


     لا أصدق هذا! عامر صديقي... يكرهني! منذ متى؟! كان هذا صادما لي! ولكنني اكتفيت بالصمت حتى اعتذر أبي! لم أفهم لماذا على أبي الاعتذار، وعامر هو المخطئ!

     كان هذا ما يشغل بالي طوال الوقت حتى بعد خروجنا من السجن... استقبل الجميع أبي استقبال الأبطال! أي كما يليق به حقا! واجتمعنا في منزل جارنا، السعادة لم تفارق الجميع إلا أنا! ظللت أنظر إلى مخبزنا... بيتنا... حياتنا التي سلبت منا عنوة! والسبب في هذا مجرم خرج من السجن معنا، ولا أدري لماذا! لماذا يتغاضى الجميع عن أفعاله؟! لماذا لم يبقوه في السجن؟! بل لماذا فعل هذا منذ البداية؟!

     أكثر شيء حيرني هو انقلاب عامر! أتذكر مظهره عندما قدم لأول مرة... باكيا حافيا... كيف اعتنينا به، كيف علمه أبي وصبر عليه، كيف كنا نضحك ونتراشق الدقيق، كيف كنا نعاقب لمقالبنا الشقية، كيف كنا نقضي الليالي متسامرَين، كيف كنت أستعرض لوحاتي أمامه ليمدحها ثم يجرب هو تقليدها فنضحك! بل كيف كنا نضحك!

     ثم أتذكر تلك الليلة وقيامي فزعا، أتذكر تكبيلي، جري من سريري... ثم وجه أبي المبهوت وهو ينظر إلى عامر! وزجنا في السجن بخشونة! وأن عامرا كان السبب! هذا جنون! عامر مستحيل أن يفعل ذلك! لن يتفق مع الشرير!

     ظللت مصدوما، انتظرت أن ينفي ذلك عنه، لكن لواذه بالصمت أخرسني أنا أيضا! أيعقل هذا؟! حتى أنت يا عامر؟!* رغم أني قلت لن أسامح لكنني سأفعل هذا إن كنت أنت! عامرا، شقيق الروح، رفيق العيش، صديقي وشقي الأيمن، أخي الذي لم تلده أمي! أردتك أن تثور على كلامي وتعترض كالعادة كلما تخالفنا، أو حتى لو أنك أذنبت حقا وقمت بهذا في غضبة فأنا أنتظر اعتذارا صادقا عن كل ما عانيناه بسبب خطئك! انظر كم الأمر سهل! كلمة واحدة كفيلة بمسح غضبي كله، بتنقيتي من كل حقد، بتمزيق هاتين الصفحتين من حياتنا والإكمال من جديد!

     لكنك لم تعتذر، لم تبرر، لم تنطق، بل لم تحرك ساكنا! ألهذه الدرجة تكرهني يا عامر؟! أكان أنا الوحيد الذي يعتقد أننا صديقان؟! أكنت الجاهل الساذج الذي تضحك على أحلامه وآماله سرا؟! ظننت أنك أمنتني لتريني مخبأ نقودك! هل فعلت هذا لترميني في أقرب فرصة باللص وتشك بي أول أحد؟! أكانت النقود أهم مني ومن صداقتنا؟! أأنا في نظرك خائن لترميني بالتهمة فور رؤيتي؟! وأنا الذي شاركتك كل أسراري، وحين سألتك عن حلمك قلت إنك ستصبح ثريا! أهذا فقط لتصرفني، لتسكتني ولا تطلعني على أسرارك؟!

     هل تكرهني لنعتك بالقصير؟! آسف، ولكني أحيانا أخفي خجلي خلف كلمات قاسية قليلا في غلافها، ولو أنك شققتها من الداخل لعرفت كم هي لدنة طرية، وأني لا أقصد وقعها الحرفي... ظننتك تعلم لذا تسكت وتبتسم لي، فهل كانت ابتساماتك هي الأخرى زيفا ككل ما بين قلبينا؟! فما ذنب المعلق بأحبال المشاعر بيننا يصدقها، وأنت الكاذب؟! أم قُدر علينا منذ البداية ألا نكون صديقين، مهما بذلت من الجهد؟! أكنت عالما بمقداره حتى؟! أشققت عن قلبي لتدرك ما الذي يختلج فيه؟! أم أنك سئمت مني ومنها فذريتني وتوليت؟!

مخبز الندمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن