"محيط المشاعر"

338 25 4
                                    

مع إشراق الشمس في الصباح الباكر... كانت أشعة الشمس تتسلل من نافذة غرفته إلى وجهه... فتح عينيه تلك ليظهر لونهما الأزرق الغامق... أدار عينيه موجها نظره للسقف... تنهد قليلا... ثم أغمض عينيه مرة أخرى...

"كان يجب علي أن أقتلها حقا..."

أوقف تفكيره ذاك صوت طرق الباب الخفيف الذي كان قادما من "فيوليت"... فتحت الباب و بيدها وعاء به القليل من الماء الدافئ، مع منشفة بيضاء...

أمال بنظره ذاك لقناعها الأبيض... ثم تسائل عن ماذا ستفعل الآن... اقتربت منه ببطئ شديد ثم وضعت الوعاء على الأرض... وجهت كلامها له قائلة...

"من فضلك اغسل وجهك، و بعدها تفضل لقاعة الطعام من أجل تناول فطورك..."

... اندهش من أسلوبها و لم يستطع كتم ضحكته... ليطلق ضحكة هستيرية زرعت الخوف في قلبها... ابتسم لها بمكر ثم قال...

" لقد ظننتك ذكية أكثر من ذلك... من الجيد جدا أن لا تخافي مني، هذه شجاعة منك... على الرغم من أنك الآن لست سوى دمية بيدي، سأعاملك إذا كما أريد"...

اقشعر بدنها للحظة لكنها لم تكشف عن خوفها... حنت رأسها ثم انسحبت من الغرفة دون كلمة...
بينما كانت تتمشى في ذلك القصر... دخلت إلى الغرفة التي كانت بها تلك الآلة الموسيقية... ثم جلست فوق الكرسي، لتبدأ بالعزف بكل خفة... لحن هادئ يعبر عن آلامها التي عاشتها... في الحقيقة، تلك كانت الطريقة الوحيدة التي تعبر فيها عن حياتها المؤلمة... رغم أن الأمر يجرح مشاعرها إلا أنه يريحها... و من مكان قريب... كان يستمع للحن بينما ينجذب إليه... يقترب من الغرفة بخطى ثابتة و ذكرياته تتطاير من عقله... فتح الباب ليجدها تقوم بالعزف... لكنها توقفت فور رؤيتها له ثم نهضت مسرعة من مكانها... اقترب منها ثم طلب أن تكمل عزف لحنها... صدمت "فيوليت" فور قوله للأمر... كيف لشخص وقح مثله أن يطلب مثل هذا؟... لكنها وافقت و نفذت أوامره دون كلمة منها...

لحن هادئ و راق يصدر من ذلك الكمان، تعزف على أوتاره أصابعها البيضاء الشاحبة... بعيدا عن عالم مؤلم يسود به الظلم و الظلام... وسط غابة هادئة كبيرة يتردد فيها هذا اللحن... أرخى سانزو مسامعه و ترك ذاته تضيع وسط تلك النبرات الخفية... تمشى ببطء شديد نحوها ثم وقف ورائها مباشرة... مرت دقائق على تلك الحال، حتى اكتمل العزف... مد يده نحو عنقها ثم شده برقة... و همس في أذنيها..."من الآن ستعزفين دائما مثل هذه الألحان، ما رأيك؟..."
أطلق ضحكته الهستيرية تلك... ثم عانقها بخفة و قال..." لقد أحببتك حقا!"... ابتسم بمكر و انسحب من الغرفة بكل هدوء... تاركا "فيوليت" ورائه في حيرة من أمرها...لكنها تجاهلت الأمر و تقبلته كونها خادمة و تنفذ ما يخبرها به "سانزو"...

انقضى ذلك اليوم، لتشرق شمس يوم جديد، و هي تنشر أشعتها الذهبية فوق قصره الداكن... استيقظ من نومه و عقله الذي كان مليئا بالتفكير... ابتلع حفنة من المخدرات و نهض من فراشه متعبا... نظر إلى نفسه بالمرآة...

"أتسائل حقا لم لا زلت على قيد الحياة...؟"

... تنهد قليلا ثم فتح صنبور الماء، حنى رأسه قليلا و قام بغسل وجهه... بعدما انتهى، تسلل بين حجرات قصره ذاهبا إلى "فيوليت"... ليجدها تقوم بخياطة أحد الأثواب... ابتسم بمكر ثم اقترب منها... "إنك هادئة هذا اليوم... لقد نسيت إخبارك، ما اسمك؟..." نظرت له مطولا ثم نطقت باسمها... "فيوليت، سيدي..."..."فيوليت إذا؟... حسنا، أريد منك العزف مرة أخرى..." نهضت من مكانها ثم جلبت الكمان... و على تمايل نبرات أوتاره، أراح "سانزو" مسامعه ليغرق مرة أخرى في محيط من الهدوء... أدار بخطواته متقدما نحوها، ثم وقف ورائها... همس بكلمات زرعت الرعب في نفسها... "يراودني شعور غريب... أرغب في أن أمسك رقبتك و أضغط عليها بشدة حتى تلفظي آخر أنفاسك، لكن في نفس الوقت لا أريد ذلك..."... صمت سكن المكان بعد انقطاع اللحن الذي كانت تعزفه... توقفت يداها من الارتعاش و وضعت الكمان جانبا... ظلت جامدة بمكانها دون نطق أية كلمة... مدركة لوضع أن حياتها ستصبح مهددة من قبل هذا المختل... "لماذا توقفت؟... لم أقل شيئا مرعبا لهذه الدرجة"...

تنهدت ثم نهضت من مكانها... أدارت رأسها نحوه لتقول..."إن قتلتني فلن تسمع مثل هذه الألحان مرة أخرى..."... تعجب من كلامها لكن الأمر راق له..." إذا تدركين دورك جيدا..." حنت رأسها ثم غادرت المكان مسرعة إلى الحديقة الخلفية لتهدئة نفسها قليلا... لكنه تبعها إلى هناك دون أن تلاحظ...

توقفت بجانب النافورة التي كانت مكسورة تماما... رفعت رأسها للسماء... و زرقتها التي خيلت لها عيناه ذات المحيط البلوري... لتتفاجئ بيد وضعت على قناعها الأبيض ذاك لتنزعه... لكنها سحبت نفسها بعيدا عنه لكي لا يرى حرقها المشوه... "لم تخفين وجهك؟ أريد منك أن تنزعي ذلك القناع لأراه"... "سيأتي يوم و ستستطيع رؤيته"... نظر إليها بعينين فارغتين، ثم طلب منها أن تجلس فوق أحد المقاعد القديمة... جلس بجانبها ثم وجه كلامه لها قائلا..." هل تتسائلين عن شيء ما؟... حسنا... لأنك قدمت لهنا كخادمة فلا علم لك بشيء..." ابتسمت له بهدوء... لتتذكر فجأة تلك المرأة الجميلة التي كانت في الصور المقطوعة وسط غرفته... "من تلك المرأة التي كان في الصور..؟"

توسع بؤبؤ عينيه بصدمة... تسارعت دقات قلبه... تنهد قليلا... ثم وضع يده في جيبه ليخرج صورة نصف مقطوعة... تظهر نفس تلك المرأة الفاتنة... نظر إليها بحزن شديد...

"إنها التي قامت بولادتي"...

*يتبع*
Sano Crista~

|هوس سانزو...|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن