القطعة الثالثة

999 31 2
                                    

                                   
                                   

(القطعة الثالثة)
***********
جلس على طرف فراشها يراقب ملامحها الساكنة بمزيج غريب من مشاعر تجتاحه بجنون هادر ويقاومها بجنون أكبر...
لماذا لا تكبر ملامحها ؟!
لماذا لا يبدو عليها أثر السنين؟!
لماذا لا تتخلل وجهها تجاعيد الهرم كمثيلاتها من النساء؟!
لماذا لا تسمح لخصلات المشيب أن تعلن عن نفسها ...
ربما تعلن معها "أمومتها"!!
نعم...ربما وقتها فقط ...ينسى "بيللا" الفاتنة نجمة الأضواء التي عاش يطارد سرابها لسنوات مرت ثقيلة كالجبل على صدره!
لكنها للأسف لاتزال تتشبث ببقايا عهدها القديم ...
تماماً كما عينيه العاجزتين عن رؤيتها إلا بصورة "المرأة الفاتنة"...
و"الأم الجاحدة"!!
جمالها كان ولايزال "نعمتها"...و"نقمته"..
"كنزها"...و"لعنته"...
ربما لهذا لا يزال عاجزاً أن يلبسها عباءة "الأم" تماماً كما لاتزال هي متشبثة ب"تاج"نجوميتها!

فتحت عينيها فجأة لتلتقي بعينيه الصارختين بمشاعره لكنه أغمضهما بسرعة وكأنه خشي أن يفضحه حديثهما ليقول بنبرته الخشنة:
_قبل ما تلوميني وتقولي أنا السبب ...الدكتور قال إن أدوية التخسيس اللي بتاخديها هي اللي أثرت عليكِ وسببت الهبوط اللي حصللك ده.

رمقته بنظرة عاتبة صامتة وجدت صداها في صدره فاختلجت عضلة فكه وهو يحاول كتمان ما يشعر به!
عندما وصل إلى هنا منذ ساعات ليجدها فاقدة لوعيها كاد يسقط جوارها وهو يتصور نفسه السبب في انهيارها هذا ...
وحتى عندما طمأنه الطبيب بقي على حالته من القلق حتى تحسن وضعها نوعاً ..
ساعتها تمنى لو ...
لو يحتضنها!
هل تعلمون أنه لم يحتضنها مرة واحدة في حياته كلها؟؟!!
هي حاولت كثيراً في مواقف عدة أن تضمه لصدرها لكنه كان يكتفي
بالاستسلام لحركتها متيبساً قابضاً ذراعيه جواره !!
هذه الحركة التي لم يفوتها قلبها ك"أم" لكن كبرياءها ك"نجمة"
تغاضى عن مناقشة سببها معه !
لكن...هل تراها حقاً لا تفهم ؟!
أم أنها تتجاهل السبب كما تجاهلته هو نفسه لعشرين عام من عمره ؟!

_يامن...أنا مش وحشة قوي كده !

بهمسها الخفيض اقتحمت بها "دائرته الخارجية" الخشنة لتصل لما بعدها باستطرادها المتهدج:
_انت عمرك ما سألتني سبت باباك ليه...عمرك ما عاتبتني ...
_ولا هاعاتبك !
قالها وهو ينتفض واقفاً وكأنما خشي أن يقترب من "صندوق ذكرياته الأسود" ليردف بنفس الخشونة :
_وياريت بلاش نتكلم عشان احنا الاتنين ما نزعلش...
ثم ابتسم ليقول بسخرية مريرة:
_واضح إن تأثيري وحش على صحتك ...كان معاكي حق ترميني زمان ...لو منك أعيدها تاني دلوقت !

أغمضت عينيها بألم افترش ملامحها لكن ظنون "نقمته" كانت تراها
الآن "بيللا" الممثلة البارعة التي طالما اعترف بمهارتها في إجادتها في إتقان الدور!
ربما هذا ما برر قسوة عبارته بعدها:
_عموماً ما تقلقيش...(ساعةْ صراحة) وراحت لحالها ...يامن اللطيف اللي بيزورك هنا ساعة كل يوم ويشوف طلباتك وطلبات البنات هيرجع تاني...أظن ده الأريح لنا احنا الاتنين !
فتحت عينيها لتنظر إليه نظرة "جائعة" لعاطفة هو "أبخل" ما يكون عنها ...رغم أنه "أحوج" ما يكون إليها !
لكن ما حيلته؟!
عندما تحترق الزهور يسهل أن تنبت من جديد ...
لكن ماذا لو احترقت "الجذور"؟!
هل يبقى هناك من أمل؟!

سينابون .. ج 1 .. ج 2 .. للكاتبة نرمين نحمد اللهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن