٣

23 2 1
                                    

((رحمك الله يا أبي و سامحك....لماذا اخترت لي هذا الاسم.....أحيانا أشعر أن اسمي هذا يثير رعب الناس وأحيانا أراه يثير مفاجأتهم و أحيانا يثير شفقتهم و حزنهم....ما الاسم العجيب هذا؟؟؟؟....أرجوك يا أبي لا تغضب مني فأنا لا ألومك...أنا فقط أشكو لك كما اعتدتُ دائما...رحمك الله و جمعني بك))
مذكرات سيربي 2011م
لا ينكر غياث أنه كره إسلوب سيربي في كلامها معه و الطريقة التي اشتم منها رائحة التعالي كونها أوروبية وهو عربي رغم أن مأساة بلادهما واحدة ....الفقر والجهل زيادة علي الاحتلال و أصوات الدمار و تربص الأعداء و رخص الدماء.....و لكنه أيضا لا ينكر أن شيئا ما وكأنه جذب قلبه إليها.....لا يدري ما هذا الشعور الغريب تجاهها؟؟؟....حانق عليها لجهلها بثقافتها و غرقها في الثقافة الاوروبية حتي النخاع...مشفق عليها في الوقت ذاته.... يود لو يصرخ بها لتفيق ....وهل تستجيب ذات الشعر الأحمرالغاضب الثائر
كصاحبته؟؟.....وجد نفسه يمسك بالقلم ويخط تلك الأبيات التي قرأها مرة عن
حال الأمة  الذي ينطبق علي(( سيربي ))::
تجري وراء الغرب في لهث وهل
سيحقق الغُرب الغريق كياني؟


تجري وفي العينين ألف تساؤل
عزّ الجواب فذاك ما أبكاني




في كل يوم تُستباح مدينة
أين الذين تهزّهم أحزاني؟



أين الحقوق وقد أبيدت أمة

وأنا المُلام إذا صرخت كفاني




سل مدعي حفظ الحقوق لهِرَّة
هل هرة أولى من الإنسان؟




كل الحقوق مصانة في عرفهم
إلا حقوق أمة القرآن





إني وإن يكن البكاء نقيصة
أبكي لحالك سائر الأزمان

وبعد أن خط كلماته شرد بذهنه بعيدا....إن كل ما يتعلق بهذه الفتاة هو محير فعلا بداية من اسمها....ماذا؟؟؟؟ ....اسمها؟؟؟ حقا ماذا كان اسمها؟؟؟؟.....ثم أخرج ورقة وراح يحاول كتابته ((س_ر_ب_ر_ي_ن_ي_ت_ش_ا))
اسم غير مألوف أبدا.....ثم واتته فكرة....لماذا لا يبحث عن معناه عبر شبكة
الانترنت؟؟؟؟......كتبها باللغة الفرنسية كما أملته عليه سيربي ولكنه في كل مرة تخرج له النتائج أن الاسم به خطأ وعليه إعادة المحاولة....فكتبه بالعربية و هنا كانت المفاجأة....ظل محدقا في شاشة حاسوبه النقال .....ينتقل من فيديو إلي آخر وهو في حالة ذهول ممزوج بالحزن الشديد....أغمض عينيه....صوت يهز كيان نفسه يهدر قائلا يبدو أنه ليست ((سيربي)) فقط هي من اعتقدت أنا أنها غافلة عن
ثقافة أمتها.....فأنا أيضا اكتشفت الآن والآن فقط أنني غافل مثلها و ربما أشد.....ظل يبحث و يري و يستمع إلي فيديوهات
باللغة العربية و الانجليزية ولم يفق إلا بعد منتصف الليل علي دموع ساخنة تحرق وجنتيه.....وضع يده علي وجنتيه يتحسس دموعه في عجب  فهو لم يأمر تلك الدموع أن تسيل بل هي قفزت من عينيه رغما عنه.....و فجأة دوي في رأسه سؤال عنيف جدا.... ما الذي يجعل أبوين أن يطلقا علي ابنتهما هذا الاسم الذي يذكرها لنهاية عمرها بهذه الحوادث المفجعة؟؟....و ظل السؤال يتردد في رأسه طويلا....لماذا؟؟؟
***************
بعد عدة أيام كان لقاء سيربي مع غياث في عيادته للجلسة العلاجية و بدت مختلفة تماما فلقد ارتدت تنورة طويلة واسعة و حجابا للرأس كما أخبرها غياث أن هذه وسيلة جديدة للعلاج. :)    ....أحس غياث بالسرور  فور رؤيته إياها رغم ضيق نفسه مما اكتشفه باليوم السابق حول اسمها
**سيربي:: هل أجلس علي هذه الأريكة وأمدد رجلي؟؟

**غياث:: لا داعي بل اجلسي علي هذا المقعد المريح ذو الحشوة الإسفنجية فهو يعطيكِ نفس الإحساس بالراحة

**سيربي:: لماذا؟؟

**غياث_بهدوء::لا يليق أن تستلقي المرأة هكذا وكأنها نائمة أمام رجل غريب الا إن كان الأمر ضروريا وأنا طبيب نفسي ولست طبيب جراحة أو باطنة ليستوجب الأمر استلقائك هكذا أما عن استرخاء
الأعصاب فيوفره هذا المقعد الإسفنجي

**سيربي_واضعة يدها في خصرها ومعترضة:: و لكن.......

**غياث_قاطعا الحوار في حزم:: سيربي...لنبدأ جلستنا العلاجية إذا سمحت فوقتك المخصص هو نصف ساعة لا أكثر....اجلسي علي الكرسي باسترخاء وأغمضي عينيك و صفي ذهنك تماما

**جلست سيربي باسترخاء و علي مسافة منها جلس غياث و بيده دفتر يدون به
ملاحظاته
**غياث:: ها... من أين تحبين أن تبدأي؟؟

**سيربي:: أبي.....أشتاق إليه كثيرا....لم أره في حياتي قط...مات في الحرب التي لا اعرف عنها الا اسمها...لا أعرف الا أن اسمه هو مالك هاستيتش...ولكنني أحبه جدا وأكتب له عن تفاصيل حياتي في مذكراتي إليه وأشعر أن كلماتي تصل إليه....نعم بلا شك تصل إليه

**ثم دمعت عيناها فمسحتهما بسرعة

**سيربي:: متأسفة

**غياث::: لا عليك...أنا طبيبك فأخرجي كل ما بداخلك بلا خجل.....إذن وماذا عن
والدتك؟؟
**سيربي_في ألم شديد:: أمي؟؟....أنا لا أعرف من كلمة أم إلا اللفظ فقط.....منذ بدأت أعي الدنيا كنت ألاحظ أن أمي تعامل كل أطفال الجيران بحنان شديد إلا أنا.....إلا ابنتها....أحيانا أري في عينيها كلام كثير تخفيه عني....أحيانا عندما أغيب عن موعد عودتي من المدرسة أجد في كلماتها ونظراتها قلقا عليّ ولكن سرعان ما يختفي ليعود الجفاء المر وكأنه ليل بلا نهاية...بكيت و بكيت و بكيت بلا طائل...ظننت لفترة أنها تحب الاولاد أكثر من البنات...ربما تكرهني لأنني فتاة ولأنها كانت تفضل أن أكون صبيا...أراها تحن علي صبيان جيراننا وتأتي لهم بالحلوي وتحكي لهم القصص...تتحول إلي امرأة أخري...إلي أم حقيقية...تحتضنهم و تدمع عيناها ...ألهذا الحد تشتاق لأن يكون لديها ولد؟؟...كثيرا ما أراها تنظر إلي السماء وخاصة لحظة الشروق وكأنها تناجي حبيبا أو تنتظر حبيبا أو تشتاق إلي حبيب...أحيانا أشفق عليها...أشعر أنها تحمل سرا ثقيلا و مخيفا أتوق لمعرفته ولا أخشاه...فمعرفة الحقيقة مهما كانت مريرة أفضل من العيش هكذا بحالتنا تلك...أم دائمة الشرود حالكة الحزن جافة الحنان...و ابنة تموت الف مرة لتعرف سبب كره أمها لها...هي لا تحرمني من أي شئ مادي... أموال ملابس أدوات للزينة...ولكن احتياجي لعاطفتها لا يعوضه شئ...من قال أن الشجرة يكفيها الماء لتزهر؟؟ إنها تحتاج إلي حب و رعاية لتكبر بسلام وتعيش
بسلام و تثمر بسلام...في داخلي حرب حقيقية ولقد تعبت....أتوق إلي
السلام النفسي فقط..أتوق إلي السلام

**ثم وضعت وجهها بين كفيها وراحت تبكي في حين زاد عصف التساؤلات برأس غياث... يجب أن يري تلك المرأة الوالدة...هناك سر داخلها...سر كبير

**كانت دموعها تحفر داخله شيئا ما، لطالما وجد مرضى يبكون أمامه، نساءا و رجالا،فتيات و شباب، فهذا جزء كبير من عمله، لكن هذه الدموع الآن تحفر في قلبه شعورا مختلفا، شعورا حزينا جدا، نفض هذه
الأفكار عن رأسه حتى يستطيع مواجهة الموقف ،بعد أن هدأت سيربي أخبرها غياث أنه يريد مقابلة والدتها في الجلسة التالية للضرورة
**سيربي_وهي تمسح دموعها:: لن توافق....هي منطوية جدا تكاد لا تخالط أحدا من الناس إلا جارتنا ((ليلي)) فلقد كانت صديقتها في البوسنة وهاجرت معها الي هنا

**غياث:: وجارتكم ليلي هذه ألم تسأليها عما يدور برأسك من تساؤلات؟؟

**سيربي:: لا تجيب الا بنفس ما تجيب أمي وكأنهما متفقتان علي هذا

**غياث:: حسنا..اطلبي من والدتك ميعادا معي فليس امامنا الا المحاولة....اتفقنا؟؟

**سيربي:: حسنا
**ثم ذهبت تاركة غياث في حيرته المتزايدة



سربرينيتشاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن