الفصل الثاني
استسلمت مسك للنوم وراحت في سبات عميق لم يوقظها إلا طرقات على باب عيادتها في الصباح الباكر، انتفضت خائفة من نومها جذبت نقابها في يدها، ومشت ناحية الباب وهى تسأل بخوف من بالباب ؟
جاء صوت من وراء الباب يعتذر عن إزعاجها وأنه أيقظها باكرا ولكنه أراد أن يطمئن أنها بخير وأحضر لها بعض الطعام ما كان هذا الشخص إلا أدهم ذلك الذي أنقذها بالأمس
لفت غطاء رأسها ووضعت نقابها على وجهها ثم فتحت مسك الباب وقالت له لم يكن هناك داع لمجيئك إلى هنا أنا أخبرتك بالأمس أنني بخير وأستطيع تدبر أموري بنفسي.شعر أدهم بالحرج وأنه بدا أمامها وكأنه شخص متطفل اعتذر وقال لها آسف لو ضايقتك أنا لم أرحل في الأمس وقضيت ليلتي بالمكتب خفت أن يعود زوجك ثانية اعذريني ولا تظني بي سوءا أنت مثل واحدة من إخوتي وأنا بحكم عملي في هذه المهنة أعرف أن أحيانا الأمور تخرج عن السيطرة اعذريني كنت في طريقي للمنزل قبل ذهابي للمحكمة، وفكرت أن أحضر لك الطعام قلت في نفسي ربما لم تأكلي شيئا منذ الأمس أنا أسف للمرة الثانية
صمتت قليلا وقالت حسنا ولكني لن أستطيع أخذ شيئا منك أشعر بالامتنان كثيرا لما قمت به من أجلي ولكن أتمنى أن تعذرني وشكرا لشعورك الطيب وتصرفك النبيل.
اعتذرت منه بلطف وأغلقت باب عيادتها مرة أخرى أما هو فشعر بحرج أكبر وتمنى لو لم يضع نفسه في هذا الموقف أبدا ورحل إلى منزله، بقيت مسك في عيادتها بمفردها تفكر في حالها وماذا ستفعل في ذلك الوقت جال بخاطرها ذلك المحامي وما فعله وإحراجها له وقد قصدت ذلك جيدا ثم سألت نفسها ترى هل حسن محق فعلا فيما يخص الرجال وأن ذلك الحصار الذي يفرضه عليها يحميها فعلا ثم هزت رأسها بالنفي وهى غاضبة من نفسها وقالت ما هذا الهراء يا مسك صرت تتحدثين وتفكرين مثله ما يفعله حسن ليس حماية أبدا إنه الجنون بعينه ذلك الحصار الذي فرضه عليك غير مقبول بأي حال من الأحوال صرتِ حديث الناس كلها مما يفعله بكِ.
بدلت ملابسها وانطلقت إلى الوحدة الصحية التي تعمل بها لمباشرة عملها، حين وصلت كان كل شيء كعادته في كل يوم، الزحام حول غرفة الكشف مخيف، والممرضة تصرخ في المرضى؛ ليلتزم كل منهم بالدور، ولكن لا حياة لمن تنادي، طبيبة الباطنة لم تأت لعملها وضمت الممرضة مرضى الباطنة إلى الأطفال كانت مسك تحفظ عن ظهر قلب تلك الأحداث التي تتكرر كل يوم الغريب في هذا اليوم فقط أن حسن لا يقف في الخارج مما جعل كل الممرضات يتهامسن وهن متفاجآت من هذا الأمر الفضول يكاد يقتلهن لسؤال مسك أين زوجك؟
******************************************
على الصعيد الآخر كان أدهم يجلس في المحكمة وعقله لا يكاد يتوقف عن التفكير في ما حدث يؤنب نفسه حينا أنه تدخل في ما لا يعنيه كان كافيا جدا أنه قام بتوصيلها ولم يكن ضروريا قضاء ليلته خارج منزله ولا محاولة الاطمئنان عليها صباحا وحينا آخر يخبر نفسه أنها محقة في إحراجها له فهو في النهاية شخص غريب، وتصرفه بدا متطفلا وربما ظنت به سوءا بينما هو غارق في أفكاره ربت صديقه علي على كتفه قائلا : إلى أين وصلت؟
التفت أدهم إلى الوراء قائلا أهلا يا صديقي اجلس.
نظر علي إليه متفحصا وجهه بإمعان وقال يبدو الوضع سيئا أخبرني ما الذي حدث؟
_ سأخبرك بعد أن تنتهي الجلسات نذهب إلى المقهى وأشرح لك ما حدث
-حسنا يا صديقي، على الهاتف معا بعد انتهاء عملنا سأنتظرك.
******************************************
الحال كان أصعب بكثير في بيت والد حسن، والدته تضع يديها على خدها والحزن يكسو ملامح وجهها الجميل الذي وبرغم تجاعيده إلا أنه يشع نورا اقترب والد حسن منها وجلس إلى جانبها وقال أخطأنا يا نعمة حين زوجناها له لم يكن مناسبا بأي شكل لها هو ابني وهى ابنتي وأعترف أننا ظلمناها بهذه الزيجة ولكن يشهد ربي أني لم أجبرها عليه ولكن ربما شعرت بالحرج منا بسبب تربيتنا لها لهذا وافقت بعد أن أبدت رفضها نظرا لفارق السن بينهما لو كنت أعلم أنه سيعاملها بهذا الشكل ما كنت سعيت في تلك الزيجة أبدا كانت أمانة أبي وأمي لي وضيعتها.
سالت الدموع من عين زوجته وقالت هل تظن أني راضية عن ما فعله معها كنت أظن أن زواجها منه خيرا له ولها وفارق السن وبرغم أنه كبير ولكن زيجات كثيرة نجحت بمثل هذا الفارق، مسك ربيتها بنفسي ويشهد ربي أني طوال عمري أعاملها كما لو أنها ابنتي ولا يرضيني أبدا أن يعامل أحدا ابنتي مثلما كان حسن يفعل مع مسك ولكني تعبت من الحديث معه كلما تكلمت معه يقول لي لست صغيرا لتعلميني كيف أتعامل مع زوجتي قلبي يتمزق على حالها أين تذهب تلك المسكينة وماذا أفعل معه يرفض بشدة أن يطلقها وقال لي لن أتركها ولو على رقبتي
انفعل والد حسن وقال هل تحدثتِ معه اليوم؟
قالت اجلس أولا ولا تغضب يا حاج عبدالله، نعم تحدثت معه اليوم بعد صلاة الفجر وطلبت منه أن نخرج بالمعروف كما دخلنا بالمعروف ولكنه ثار وغضب وأخبرني ما قلته لك ثم ارتدى ملابسه ورحل منذ قليل
_ ولما لم توقظيني مسك في عملها الآن ربما يذهب إليها
-اتصلت به وقال لن يفعل شيئا ولن يتعرض لها، أعتقد أنه يخطط لشيء آخر، ابني وأنا أعرفه.
قام الحاج عبد الله واتصل بمسك ليطمئن عليها ويرى إن كان حدث أي شيء ولم يستطع أن يقول لها أن حسن رفض أن يطلقها قال في نفسه أنتظر ليعود وأتحدث أنا معه.
******************************************
مضت مسك يومها في عيادة الوحدة الصحية ما بين الكشف على الأطفال والكبار وهى تتلفت كل فترة تنظر من شباك غرفة الكشف لا تصدق أن حسن لا يجلس في السيارة لأول مرة تشعر بالحرية التي طالما تمنتها منذ تزوجت منه كانت تشعر بطمأنينة ممتزجة بالخوف لم تعتد هذا الأمر بعد تُمني نفسها بالخلاص منه ثم تعود لتفكر ماذا سوف تفعل في حياتها وهل قرارها سليم بشأن الطلاق قطع اتصال من والدها حبل أفكارها ترددت كثيرا قبل الرد كانت شبه متأكدة أنه علم بما حدث من ابن خالته فهو يكون زوج خالتها وبالتأكيد اتصل به يخبره بما حدث أجابت على الهاتف وبقلق شديد سألها هل أنت بخير يا بنيتي؟
_بخير، يا أبي، لا تقلق، لم يحدث شيء
-كيف لم يحدث شيء، وكيف لم تخبريني بالأمس بما حدث وأين قضيت ليلتك؟
_الأمر انتهى يا أبي، وعدني خالي بفض هذه القصة دون مشاكل، وليلتي قضيتها في عيادتي.
- تنامين في العيادة وبيت أبيك موجود يا مسك، شقتك فيه جاهزة وأنت تعلمين ذلك جيدا.
_ أبي من فضلك، دعنا لا نفتح هذا الأمر مرة أخرى، أنا في العمل الآن سأحادثك بعد أن أنتهي.
- سأمر عليك الآن، ونتحدث وجها لوجه، لا يصلح حديث الهاتف
_حسنا يا أبي، أنا أنتظرك مع السلامة الآن.
******************************************
أنهى أدهم جلساته وذهب للمقهى وقابله علي هناك وقص عليه كل ما حدث وسأله كيف يصلح سوء التفاهم هذا معها ربما تظن الآن أنه شخص غير محترم يحاول التودد لها وخاصة أنه فهم أن عندها ظروفا خاصة .
فكر علي مليا ثم قال له أي محاولة لفتح كلام معها ثانية ستثبت أنك هذا الشخص، الأفضل أن تتجاهل كل ما حدث هى كانت في حاجة للمساعدة وأنت لم تتأخر الأفضل أن يقف الأمر عند هذا الحد.
قال أدهم ربما أنت محق بالفعل، محاولة إثبات حسن النية ليس ضروريا حقا وربما يثبت العكس.
******************************************
أمام مقر عمل مسك كان والدها في سيارته بانتظارها حتى خرجت وصعدت سيارته وانطلقا سويا، ذهبا معا إلى كافيتريا يجلسوا بها بدأ حديثه قائلا أخبرتك يا بنيتي أن تلك الزيجة غير مناسبة أبدا لك وأعلم جيدا أنك ما فعلتيها إلا لشعورك بالامتنان ناحية خالك وزوجته وسألتك من قبل لو وافقت عليه لذلك السبب لا تكملي تلك الزيجة
قاطعته مسك وقالت له ولو كان ما تقوله صحيحا ألم تفكر ولو للحظة واحدة كيف كان سيكون حالي لو لم أقبل بالزواج منه أين كنت سأعيش؟
اندفع قائلا في بيت والدك شقتك جاهزة وأنت تعرفين ذلك
بمنتهى الأسى قالت له شقتي تلك تعلم جيدا أني لن أسكنها أبدا بيتك كله حُرِّم علي منذ صغري فلماذا ستكون شقتك مسموح لي البقاء فيها، رفضت زوجتك وجودي معها وتربيت ببيت جدي ثم بعد ذلك بيت خالي فلماذا وافقتْ أن أدخل بيتها الآن ويكون لي فيه شقة؟
-هو بيتي أنا يا مسك.
_ وأنا منعت من دخوله يا أبي ولا ألومك ولا أحمل في قلبي شيئا ضدك أنت فعلت ما رأيت أنه صوابا في وقتها وأنا حين عرض علي خالي الزواج من حسن فعلت ما رأيت أنه صوابا بالنسبة لي ولوضعي ولم أكن أعلم أنني سأتعب هكذا معه
-حاول قتلك يا مسك، لماذا لم تخبريني أنه يسيء معاملتك؟
_ الوضع غير ما تتصور يا أبي، نحن تجادلنا بسبب خروجي من البيت وحاول إجباري على العودة ورفضت فقام بجذبي فتمسكت بموقفي وقاومته فأطبق على رقبتي وتلك المرة الأولى التي يفعلها مشكلتي مع حسن هى ما يعرفه الجميع الغيرة الزائدة عن الحد وهذا ما دفعني لطلب الطلاق والإصرار عليه
-هل تسمين ما يفعله معك غيرة، إنه يشك بكِ والجميع صار يعلم هذا الأمر.
_حسن مريض بالشك يا أبي، ورفض العلاج، وأنا فعلت كل ما بوسعي معه لهذا قررت الانفصال عنه ولم أتخيل أبدا أن ردة فعله ستكون بهذا العنف.
- سأتحدث مع خالك اليوم ونضع حدا لهذا الأمر وصدقيني قرار الطلاق أفضل شيء، كفانا فضائح لا سيرة للعائلة سواك أنت وهو، وأنت كنت ترفضين التدخل دوما إكراما لخالك هو ابن خالي وفي مقام أخي ولكنك أنت ابنتي لا يوجد عندي أعز علي منك.
هزت رأسها وهى تقوم وتستعد للرحيل وأخبرته بأن الله سيفعل الخير لها.
أمسك بيدها وقال: فكري مرة أخرى في عرضي عليك بالذهاب لشقتك لا يصح أبدا أن تمكثي في عيادتك وعندك بدل البيت ألف.
قالت له سأفتح شقة جدي وأنظفها وأعيش فيها حاليا أنت تعلم أنه أوصى أن تكون تلك الشقة لي بعد وفاته
_حسنا كما تريدين يا بنيتي دعيني أوصلك إلى عيادتك حاليا وأتركي لي مفتاح شقة خالي وسأرسل من ينظفها لك - لا داعي يا أبي، سأذهب مع العاملة التي تنظف لي العيادة وستساعدني في تنظيفها لا تتعب نفسك أنت.
******************************************
هاتف حسن لم يتوقف عن الرنين ولكنه منذ خرج في الصباح الباكر بعد حديثه مع والدته ظل يتجاهل كل المكالمات الواردة، مكالمة واحدة فقط كان ينتظرها بفارغ الصبر حتى جاءته وانفرجت أساريره من الفرح بعد أن اتصل به محاميه يخبره أنه قام بالإجراءات اللازمة لرفع قضية إنذار بالطاعة على زوجته مسك وأنها ستستلمه فور حجز موعد للقضية .....(يتبع)
#رواية
#نوبة_هلع
#منى_وهبه
أنت تقرأ
نوبة هلع
Romanceبيننا المسافات، والمنطق، والأهل، والواقع، ومع هذا كله أقف خلف نافذتي كل ليلة في هذا الشتاء البارد أتخيلك قادما من بعيد كما وعدتني، هذا الصقيع الذي أشعر به منبعه من داخلي أنا، ليس للشتاء أي ذنب فيه، أضع الشال الذي أهديتني إياه فلربما يجلب الدفء على...