الشهيد الحي/الجزء الأول

83 7 3
                                    

بعد وصول سيدنا الحسن للخلافة كان معاوية فى الشام وكان لابد لأحدهما أن يبايع الآخر للحكم.. معاوية كان يرى أنه أكثر خبرة، وسيدنا الحسن كان يرى أنه الأحق.. ووصلت الأمور لحرب وشيكة، ثم قرر سيدنا الحسن حقن الدماء.. وعقد الرجلان معاهدة جاء فيها:  
أولا: أن يسالم معاوية من سالمه الحسن، وأن يحارب معاوية من حاربه الحسن، وألا يعتدى على أى فئة إلا من يحارب الإسلام .
 
ثانيا: أن تتم إعادة أمر الخلافة إلى الشورى بين المسلمين وليس لفكرة المبايعة .
 
ثالثا: ألا يقوم معاوية بتوريث الخلافة من بعده لأهله .
 
أهم شرطين أن يكون الأمر شورى بعد معاوية، وألا يورث الخلافة لأحد من أهله، وهو ما لم يلتزم بهما معاوية لأنه رأى أن يستخلف ولده يزيد لما فى ذلك من قوته فى الحكم
 
سبب ثان دعا سيدنا الحسن إلى وضع شروط تنازله عن الخلافة.. إذ رأى الخوارج وقد أحاطوا بالبلاد، وكان واضحا له أنه إن انشغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد، وإن انشغل بالخوارج استولى معاوية على البلاد .
 
أما السبب الرئيسى الذى دفعه للتنازل عن الخلافة كان أنه تذكر وعد جده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى قوله: 
 
«إن ابنى هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.»
 
وبتسليم الحسن الحكم لمعاوية أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد حروب طويلة عانت منها البلاد .
 
تسليم الحسن الأمر لمعاوية يعتبر عقد بيعة منه له بالخلافة.. حدث هذا فى موضع يقال له: «مسكن» على نهر دجلة فى العراق.. بايعه بعدها الأمراء من الجيشين واستقل بأعباء الأمة .
 
سمى ذلك العام «عام الجماعة» لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد.. ولاجتماع المسلمين بعد الفرقة وتفرغهم للحروب الخارجية والفتوح، ونشر دعوة الإسلام بعد أن عطل قتلة عثمان سيوف المسلمين عن هذه المهمة نحو خمس سنوات .
 
بعد أن سلم الحسن بن على الحكم لمعاوية رحل ومعه أخوه الحسين وبقية إخوتهم، وابن عمه عبد الله بن جعفر من أرض العراق إلى أرض المدينة المنورة، إلا أنه عانى كثيرا بسبب قراره هذا.. كان كلما مر بحى ممن بايعوه يبكتونه على ما صنع من نزوله عن الحكم لمعاوية، وهو فى ذلك صامد ليس بنادم على قراره.. يردد دوما أنه أصلح بين أمتين وحقن دماءً كثيرة.. وبسبب قصر مدة خلافته، فإن الناس تنسى أنه يعتبر خامس الخلفاء الراشدين .
(وفاة الحسن بن علي)  
مات سيدنا الحسن بن على، حسبما يقول البخارى، سنة واحد وخمسين من الهجرة، وكان فى الثامنة والأربعين من عمره.. عانى ألمًا شديدًا قبل الموت بسبب السم الذى دُسّ له.. الساعات الأخيرة فى حياة سيدنا الحسن تناقلها العديد من المراجع.. وننقل الحكاية، كما جاءت على لسان عمر بن إسحق، الذى قال: «كنت مع الحسن والحسين فى الدار، فدخل الحسن المخرج، )أى الحمام فى مصطلحاتنا الحديثة(، ثم خرج، فقال: )لقد سُقيت السمّ مرارًا، ما سُقيته مثل هذه المرة، لقد لفظت قطعة من كبدى، فجعلت أقلبها بعود معى(، فقال له الحسين: )ومَن سقاك؟(، فقال: )وما تريد منه؟ أتريد قتله؟ إن يكن هو هو، فالله أشد نقمة منك، وإن لم يكن هو، فما أحب أن يؤخذ بى برىء( .»
ويحكى زياد المخارقى أنه: «لما حضرت الحسن الوفاة، استدعى الحسين، وقال:
)يا أخى، إنى مفارقك، ولاحق بربى، وقد سُقيت السمّ، ورميت بكبدى فى الطست، وإنى لعارف بمَن سقانى السم ومن أين دُهيت، وأنا أخاصمه إلى الله تعالى، فبحقّى عليك، إن تكلّمت فى ذلك بشىء(، وأضاف: )أنا فى آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، على كره منى لفراقك وفراق إخوتى(، ثم استدرك قائلاً: )أستغفر الله، على محبة منى للقاء رسول الله، صلى الله عليه وآله..(، ثم طلب الحسن من أخيه الحسين أن يكتب وصيته، فقال: )اكتب: هذا ما أوصى به الحسن بن على إلى أخيه الحسين بن على، أوصى أنه يشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه يعبده حق عبادته، لا شريك له فى الملك، ولا ولى له من الذل وأنه خلق كل شىء، فقّدّره تقديرًا، وأنه أوَْلَى مَن عُبد، وأحَقّ من حُمد، مَن أطاعه رشد، ومَن عصاه غوى، ومَن تاب إليه اهتدى(، ثم أوصاه بأهله وولده وما يمتلكه، وكأنه كان يعلم ما سوف يحدث بعد وفاته.. فقال لأخيه الحسين: )انتظر ما يحُدث الله عزَّ وجلَّ فىَّ، فإذا قضيت، فغمِّّضنى، وغسِّّلنى، وكفِّّنى، واحملنى على سريرى إلى قبر جدّى، رسول الله، )صلى الله عليه وآله(، لأجدّد به عهدًا، ثم رُدَّنى إلى قبر جدتى، فاطمة بنت أسد، )رضى الله عنها(، فادْ فنِِّّّى هناك، وستعلم يا ابن أم أن القوم يظنون أنكم تريدون دفنى عند رسول الله، )صلى الله عليه وآله(، فيجلبون فى ذلك، ويمنعونكم منه، وبالله أقسم عليك أن لا تهريق فى أمرى محجمة دم.»
وفاة معاوية بن أبي سفيان
لقد قرب الأجل، وشعر معاوية  بذلك، فكانت آخر خطبة له إجلاء لفلسفة حكمه، وتوصية لأمته وأهل بيته بما عزم عليه، قال: "أيها الناس، إنَّ مَن زَرَعَ استحصد، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي خير مني، وإنما يليكم من هو شر مني، كما كان من وليكم قبلي خيرًا مني. ويا يزيد، إذا دنا أجلي فَوَلِّّ غسلي رجلاً لبيباً؛ فإن اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل، وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره، فاستودع القارضة أنفي وفمي وأذني وعيني، واجعل هذا الثوب مما يلي جلدي دون أكفاني. ويا يزيد، احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا
أدرجتموني في جريدتي ووضعتموني في حفرتي، فَخَلُّوا معاوية وأرحمَ الراحمين".
ثم أوصى بنصف ماله أن يرَُدَّ إلى بيت المال -كأنه أراد أن يطيب له- لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاَسَمَ عماله. 
 
ويصور لنا ابن سيرين اللحظات الأخيرة في حياة معاوية قائلاً: جعل معاوية لما احتضر يضع خدًا على الأرض ثم يقلب وجهه، ويضع الخد الآخر يبكي ويقول:
اللهم إنك قلت في كتابك }إِّنَّ اللَََّّ لاَ يَغْفِّرُ أنَْ يشُْرَكَ بهِِّّ وَيَغْفِّرُ مَا دُونَ ذلَِّكَ لِّمَنْ يَشَاءُ{
]النساء: 48[. 
 
اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له، ثم تمثلَّ بهذا البيت: 
 
هو الموت لا منجى من الموت *** والذي نحاذر بعد الموت أدهى وأقطع 
 
ثم قال: اللهم أقَِّلِّ العثرة، واعفُ عن الزَّلةَّ، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرجُ غيرك، فإنك واسع المغفرة، ليس لذي خطيئة مهرب إلا إليك .
 
ثم أغُمِّيَ عليه، ثم أفاق فقال لأهله: اتقوا الله، فإن الله تعالى يقي من اتقاه، ولا يقي من لا يتقي. ثم مات بدمشق في رجب سنة 60هـ .
 
لقد بدأ معاوية يفكر قبل موته فيمن يكون الخليفة من بعده
 
فقام معاوية باستشارة أهل الشام في الأمر، فاقترحوا أن يكون الخليفة من بعده من بني أمية فرَشَّح ابنه يزيد، فجاءت الموافقة من مصر وباقي البلاد، وأرسل إلى المدينة يستشيرها، وإذا به يجد المعارضة من الحسين ابن علي وابن الزبير، وابن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عباس .
 
واعتبر معاوية أن معارضة هؤلاء ليست لها أثر، وأن البيعة قد تمت ،حيث أجمعت الأمة على هذه البيعة .
خلافة يزيد بن معاوية بن ابي سفيان  
ولد يزيد سنة 26 للهجرة. أبوه معاوية بن أبي سفيان وأمه مَيْسُونَ بنِّْتُ
بَحْدَلٍ)بجدل ( الْكَلْبيِّةَُّ. لم تتحمل ميسون الغربة والبقاء في دمشق والعيش فيها بعد زواجها من معاوية، فانفصلت عنه وعادت إلى محل سكناها في بادية الصحراء .
وتحتمل المصادر أنه كانت حينها حامل بيزيد أو كان يزيدا آنذاك مُرضعاً. عاش يزيد مع أمه وبين قبيلتها ونشأ في البرية. تعود قبيلة ميسون إلى قبائل حُوّارين
)في منطقة حمص بالشام( المسيحية قبل اسلامها وهي معروفة بفصاحتها وبإنشادها الشعر، كما تأثر يزيد بمن حوله وكان فصيحا وشاعرا. أسلم معاوية مع أبيه أبي سفيان وأمه هند مع جمع من المشركين بعد فتح مكة وأطلق عليهم النبي )ص( بالطلقاء وعفى عنهم وتغاظى عن محاسبتهم. عندما خطبت السيدة زينب الكبرى في مجلس يزيد نادت يزيد بإبن الطلقاء. كما عبّ ر عن يزيد في زيارة عاشوراء ب"ابن آكلة الأكباد" نسبة إلى جدته هند التي أكلت كبد حمزة سيد الشهداء في معركة أحد..
 
كان ليزيد عدة أولاد منهم خالد، ومعاوية، وأبي سفيان وعبد الله وزوجاته هنّ فاختة وأم كلثوم وأم مسكين. حكم يزيد ثلاث سنوات وثمانية أشهر، وهلك في 14 من ربيع الأول سنة 64 للهجرة وفي عمر يناهز 38 سنة .
ومدفنه دمشق. وقيل عندما استولى العباسيون على الحكم نبشوا قبر يزيد.
تشير المصادر إلى أنّ يزيد كان متهتكا ومقبلاً على الشهوات،يجاهر بشرب الخمر ويبالغ في ذلك. كان بعض صحابة رسول الله )ص( وكذالك الإمام الحسين )ع( يصرّحون بفسقه ويعتبرونه من أهل الكبائر. 
 
اعتبر البلاذري أنّ يزيد كان أوَّل من أظهر شرب الشراب، والاستهتار بالغناء والصيد، واتخّاذ القياّن  ملاحظة والغلمان، والتفكُّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة،والنطاح بين الكباش والدباب والقرود.
 
كان له قرد يكنيّه "أبا قيس" ويسقيه النبيذ ويضحك مما يصنع، 
 
يرى بعض المحققين أنّ ترعرع يزيد في قبيلة أمه التي كانت حديثة الإسلام كان لها الأثر الكبير في تكوين شخصيته. واستشهدوا على كلامهم بوجود مستشارين مسيح كـ سرجون الرومي وأخطل التغلبي في بلاط يزيد ومّدّه يد الصلح مع الروم في الشرق .
مما أدى الى ان أهالي الكوفة ذهبو الى مكة لمبايعة الحسين بن علي على الخلافة وقالو له تعال الى العراق ونحن كلنا معك واعتزم الحسين بن علي الخروج من مكة الى العراق رغم ان الكثير منعوه من الذهاب الى العراق ولكنه اعتزم الرحيل هو واصحابه واهل بيته وقد ارسل ابن عمه مسلم بن عقيل ان يسبقه ويرى اهل الكوفة وكان في حينها امير الكوفة هو عبيد الله بن زياد 
تتابعتْ كتبُ أهل الكوفة إلى الإمام الحسين )عليه السلام(، وهي تحثهُّ على المسير والقدوم إليه، لإنقاذهم من ظلم الأمويِّّين وعُنفهم، فأنفذوا جماعةً معهم نحو مائة وخمسين صحيفة, من الرجل والاثنين والثلاثة والأربعة، يسألونه القدوم عليهم، وهو مع ذلك يتأنَّى ولا يجيبهم، فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب، وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده منها ـ في نوَُبٍ متفرِّّقة ـ اثني عشر ألف كتاب. 
ثمَّ لم يمسِّ الحسين )عليه السلام( يومه ذلك، حتى ورد عليه بشر بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبيد الأرحبي، ومعهما خمسون كتاباً من أشراف أهل الكوفة ورؤسائها .
ثمَّ قدِّم عليه صباحاً هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بهذا الكتاب، وهو آخر ما ورد على الحسين )عليه السلام( من أهل الكوفة، وفيه: 
بسم الله الرحمن الرحيم 
إلى الحسين بن علي، من شيعته والمسلمين ..
أما بعد، فحَيَّ هَلا )1(، فإنّ الناس ينتظرونك، ولا رأي لهم غيرك )2(، فالعجل ثمَّ العجل .
والسلام) 3(. 
فصلَّى الإمامُ الحسين )عليه السلام( ركعتين بين الركن والمقام، وسأل الله الخِّيَرة في ذلك. ثمَّ طلب ابن عمِّّه مسلم بن عقيل، وأطلعه على الحال، وكتب معه جواب كتبهم يعدهم بالقبول .
جواب الحسين )عليه السلام( لأهل الكوفة 
كَ َ تبََ الإمامُ الحسين )عليه السلام( إليهم جميعاً كتاباً واحداً، ودفعه إلى هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله، نسخَتهُ: 
بسم الله الرحمن الرحيم 
من الحسين بن علي إلى مَن بلغه كتابي هذا من أوليائه وشيعته بالكوفة.. 
سلام عليكم 
أمَّا بعد، فقد أتتني كتبكُم، وفهمت ما ذكرتم من محبتَّكم لقدومي عليكم، وإنِّّي باعث إليكم بأخي وابن عمِّّي وثقتي من أهلي )مسلم بن عقيل(، ليَعْلَم لي كُنه أمركم، ويكتب إليّ بما يتبيَّن له من اجتماعكم. 
فإن كان أمركم على ما أتتني به كتبكم، وأخبرتني به رسُلكم، أسرعتُ القدوم عليكم إن شاء الله .
والسلام .
وقد كان مسلمُ بن عقيل خرج معه من المدينة إلى مكَّة، فقال له الحسين )عليه السلام(: يا ابن عم، قد رأيتُ أن تسير إلى الكوفة، فتنظر ما اجتمع عليه رأي أهلها، فإن كانوا على ما أتتني به كتبهم، فعجِّّل عليَّ بكتابك، لأسُرع القدوم عليك، وإن تكن الأخرى، فعجِّّل الانصراف )4(. 

الشهيد الحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن