الجارة في المنزل المقابل

257 20 15
                                    

لماذا لا تهتمين بشؤونك يا آيمي ؟
عاتبها زوجها كارل ،حين أخبرته عن الجيران في المنزل المقابل.
هل كان يعلم أن الأمر سينتهي بجثتها الطازجة مدفونة في مخزن مهجور و قد تهشمت أظافرها بعد ساعات من النبش اليائس ؟
لم يكن يعلم و لن تستطيع إخباره أبدا .
ليس بعد أن مضغت الجرذان لسانها اللذيذ.
كانت ربة بيت و لكن ليس النوع التقليدي الذي يثير الضجر  ربما كانت امرأة يائسة في منتصف العمر لكنها لم تبحث عن المتعة في حياة الآخرين .
و مع ذلك حين انتقل الزوجان وولف إلى المنزل المجاور كان من الصعب عليها مقاومة إقحام أنفها في حياتهما الخاصة .
اسم جارتها شيري . اسم يليق ببشرتها الزاهية و سيقانها الطويلة الجذابة . لم تكن ملامحها واضحة .
لم تحصل على فرصة لرؤيتها من غير تورم في أنفها أو زرقة تحت عينيها أو خدش في وجنتها.
امرأة جميلة هكذا تصورتها آيمي ،كأي امرأة تتزوج رجلا ثريا.
يدعى الرجل الثري لويس .
كان متجهما على الدوام .
و في المرات القليلة التي حيته آيمي بإشارة من رأسها حين تتقاطع نظراتهما يتجاهلها .

استمتعت آيمي بثلاث سنوات من الهدوء قبل ظهور هذين الاثنين، في ذلك الحي الذي بالغ قاطنوه سبع عائلات رغم وجود ستة عشر منزلا .
الآن ، يخترق صراخ شيري و توسلاتها أذنها كل ليلة .
لم يسمع كارل ما وصفته له و لهذا اعتقد أنها تبالغ كلما تذمرت منهما في الصباح .
نوم كارل ثقيل و لو اقتلع عملاق سقف غرفتهما ما كان ليدرك شيئا .
لم تكن شيري تغادر البيت لوحدها أبدا و لم يكن لويس من محبي التنزه مع زوجته .
و لذا لم ترها آيمي سوى ثلاث مرات قبل أن تتعرف عليها.
يوم انتقلوا إلى بيتهم الجديد .
و ليلة الهالووين حين قدمت شيري الحلوى للأطفال .
و في ذلك الصباح الذي كلفها كل شيء .
داعبت رائحة فطائر التفاح أنفها و هي تخرجها من الفرن .
بداية حسنة ليوم ممل .
خرج كارل قبل ساعتين من غير إفطار.
تشاجرا ليلة الأمس حول سبب تافه .
شيء يتعلق بقلة نظافة كارل و رائحة أقدامه .
لا تتذكر آيمي آخر مرة لم تشعر فيها بالاشمئزاز حين يعود إلى البيت منهكا و يلقي بنفسه على فراشهما مباشرة متجاهلا بقع العرق الصفراء فوق ملابسه.
و مع ذلك كأي امرأة لم يكن في حياتها سوى زوجها منذ سنوات طويلة ، إحدى عشر سنة تحديدا .

شعرت أنها مدينة له و رغبت في مصالحته بما يشتهيه من حلوى .
رتبت الفطائر في صحن خزفي و رشت عليها بعض مسحوق السكر ثم وضعتها على الطاولة .
فكرت في صنع الليموناضة .
كانت تقف بثوبها الرمادي الفضفاض خلف نافذة غرفة المعيشة الآن .
تراقب بفضول وقح المشهد في حديقة جيرانها .
لم يكن الثلج قد تساقط بعد و برودة الجو محتملة.
و لكن شيري ذات الجسد النحيل المتعب كانت ترتجف أمام بيتها في ثوب نوم حريري رقيق و قصير .
لم تسمع آيمي توسلاتها و لا ما دار بينهما من حديث قبل أن يركل لويس زوجته الشابة خارج الباب .
وقفت شيري في مكانها بهدوء يثير السخرية .
و رفعت رأسها نحو السماء و تمتمت شيئا ما .
أطرقت بنظراتها في الأرض و تقاطر الدم من أنفها على بلاط ممر بيتها الحجري .
و لما ظلت على وضعها لفترة بدت كالدهر.
خرجت آيمي حاملة بلوزتها الصوفية التي كانت أول ما وقعت عليه يداها و ركضت نحو الفتاة المسكينة .
أرادت أن تحيطها بذراعيها و تدفئها .
أوقفتها نظرة جزع عميقة في وجه شيري .
لم تكن سعيدة و لا متفاجئة .
برزت عيناها من محجريهما كما لو أن كل ما عاشته يهون أمام ما ستعيشه لو أدرك لويس وجود آيمي في ممر بيته تفسد العقاب الذي سلطه على زوجته .
انتقت آيمي كلماتها بحذر شديد و بصوت كفحيح الأفعى سألت "هل أطلب الشرطة ؟"
"لا" توسلت شيري بصوت مبحوح  "غادري"  أصبح صوتها عدائيا الآن .
تراجعت آيمي رغما عنها .
لم تحظى بصديقات أبدا بعد زواجها و فقدت لذة الصحبة الأنثوية .
لكن خلال الثواني المعدودة التي قابلت فيها شيري ، شعرت بالانسجام بينهما و فهمت ما لم يُقال أكثر مما قيل .
توقفت آيمي أمام باب منزلها و أومأت لشيري .
بادلتها شيري الإيماءة و على وجهها نصف ابتسامة .
و قبل أن تغلق آيمي الباب لمحت لويس يجر شيري من خصلات شعرها الذهبية إلى الداخل مجددا .
جلست متصلبة على الأريكة و تحسست صدرها .

قصة بعد منتصف الليل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن