V

47 2 4
                                    


إن الاستمتاع و ابداء الشعور تُجاه المفرح من الأحداث اليومية نعمَةٌ لطالمَا حَسدتُ مالكِيها ، الغبطَة التّي تملىءُ قلبكَ ، الحُب و الرضَا و الراحَة .. انكماشُ زوايا العينين مِن فرط الابتسامة ..

عند نقطَة مَا .. افلَت كُل هَذا مِن يدي .

لَا أعلمُ مُنذ مَتى باتَ كُل مَا حولِي لَا يلمِسني ، حَتى أنّي لَا أذكر آخر مَرة تفاعَلت فِيها عواطِفي مَع شىءٍ مَا .. و اتكلم هُنا عَن عواطِفي وليسَ ما أُبديه
باتت ضحكَاتِي نابعَة مِن مرارة حَلقي .. و حزنِي نابِعاً مِن خوفِي أن أُنعتَ بعديمَة الإحساس ..
بدا و كأن كل شىءٍ ينبُع مِن المكانِ الخطأَ
المرةْ الأخيرة التّي بكيتُ فيهَا كانت فِي كانون الثَانِي ، كَان السببُ زفاف أحدى قريبَاتِي التّي قضيتُ معها أغلبَ طفولتِي ، كنتُ أعتقدُ أنّي أبكي لفراقِنا .. و كَان الكُل يعتقدُ ذلِك

لكِن الأمر عَلى العكسِ تمَامَاً ! هَذا ما استنتجتُه مؤخراً

اكتشفتُ أنّي كنتُ ابكِي لغَضبِي مِنها ، لغَضبِي مِن كُل اهانِة كَانت تغلفُها بمسمّى المزاح ، و كُل سخريَة لَم استطع الغَضبَ تُجاههَا لأنّي سأكونُ "درامِية " حينهَا ، بكيتُ لَكل مَرة انصعتُ فيها لأنانيتها و نرجسيتها ، لكل موقِف لَم استطع فيه قَول " لا " ، لِكل اعتذارٍ بدر مِني عَلى اساءتِها ، لِكل دقيقَة قضيتُها مَع شخصٍ لَا ينظر لِي إلا كَدمية لتفريغِ عواطِفه و ما يمر بِه مِن ضغوطاتٍ ..  استغلّت ضعفَي و انقيادي و محدودية عقلي لتسيّره كَما ترغب ، لتصنع مِنه مستقبلاً جيداً لتقلباتِها
كانت هِي المسرحية و كُنت المشاهد الوحيدَ هَناك ..

ولستُ امثلُ دور الضحِيّة هُنا ، لَكنّها مَن جعلنِي عَلى هَذا الحال ، هَي من افقدنِي الثقة فِي نفسي و فِي قراراتِي ، بتّ دائمة التردد ..

لازال مَوقف مِن طفولتِي يراودنِي .. كنتُ حينها فِي السادسةِ أو مَا يقارِبهَا ..
واقِفة امامهَا و هَي تجلِس عَلى الأرجوحةِ ، كانت تأَمرنِي أن أدفعَها و انا انفذُ بصمتٍ ، اتذكر رغبتِي يومها بأن اكونَ مَن يجلِس و هَي مَن تدفعَ ، لَكّني لَم استطع البوحَ بذلَك .. كَانت الشخصَ الذّي يقرر الأمر ، مَتى يسمح لِي باللعبِ ، و كيف ألعب معهَا ..
حدثَ و أن دفعتُها بشكلٍ قَوي دونَ قصدٍ .. وقعت و بدأَت بالبكَاء ..

كنتُ مرعوبَة مِن مَا سيحدُث

جلست مجدداً عَلى تِلك الارجوحةِ و اخبرتنِي أنها ستسامحنِي بشرطٍ

أن أركع لَها ..!

هَل يصدقُ أحدٌ هذَا ؟

شرعتُ فعلَا بالركُوع .. لَم اعلم مَا يعنيه الأمر ، كُل مَا همّني هُو رضَاها عنّي ..و اننا سنعودُ للعبِ معاً
حدث أن اوقفنِي أحد أخوتها قائلاً أن مَا نفعله حرامٌ و أن الركوع لا
يجوزُ إلا للعبادةِ  .

هَذا الموقفُ و رغمَ سذاجتِه لَا يزال عالقَاً بتفاصيله فِي عُمق ذاكِرتي .. هناك الكَثير ، لَكنّ هَذه الإنسانَة لَم تَكن موضوعِي اليومَ عَلى كُلّ حَال .

و بكائي عند ابتعادهَا لَم يكن إلا تفريغَاً .. لَم اشعر قَط بالحُزن ..

شعور الحزن لَا يراودنِي أبداً ، زرتُ المآتِم و رأَيت المآسي .. ابتعدتُ عن أُناسٍ و ماتَ آخرون و لَم أحزن
غُددي الدمعَية مستقَرّه
عقلِي فارغٌ .. و قلبِي مليء بالصمتِ
ياللسذاجَة ..
لَمَ الحزنُ عَلى حدثٍ  لَا يعنِيني ؟ هَل المشاعِر رخيصة لأهبها عَلى اللاشيء ؟

وصفِي بـ متبلّدة يروقنِي أكثر مِن السيرَ معَ القطيعِ .

شُتاتٌ .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن