تسللت أشعة الشمس من بين ستائر غرفتها على استحياء وكأنّها تخشى افاقتها من أحلامها الورديّة، أخذت تُداعب وجهها بلطف؛ وتململت في الفراش عندما استمعت لصوت المنبه الذي أصرّ على إيقاظها وكأنّه تعاهد مع أشعة الشمس واتحدا سويًا عليها، مدّت كفها الرقيق تبحث عن مصدر ذلك الصوت المزعج لتُكمل أحلامها في سلام، وأخذت تعبث بيدها علّها تجده، وأخيرًا وصلت له، أغلقته وذلك بعد عدة محاولات بائت بالفشل، تنهّدت بأريحية ها هي ستنعم بدقائق أخرى، ولكنّها لم تهنأ بتلك الدقائق كما توقعت فلقد ارتفع صوت الهاتف يُعلن اتصال أحدهم، فتحت عينيها في تثاقل، ثم أخذت الهاتف لتنظر مَن ذلك المزعج الذي يُصرّ على عدم راحتها، وايقاظها منذ الصباح الباكر، وما إن تطلعّت إلى الهاتف حتى قفزت واقفة على قدميها تلعن نفسها، ألقت الهاتف على الفراش وهو على حاله لم يتوقف عن الرنين، ذهبت إلى الحمام لتُعد نفسها جيدًا كي تستقبل ذلك اليوم الشاق، نعم، فهذا اليوم الذي يحمل في جعبته الكثير من المحاضرات، وأخيرًا انتهت من إعداد نفسها في دقائقٍ معدودة، وها هي ثبتت ذلك الحجاب الورديّ على رأسها بإحكام، ثم التقطت هاتفها، وأجابت على المتصل في مرحٍ قائلة :-
- السلام عليكم يا هنون.هنا بحنق :-
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وكمان ليكي عين تهزّري، أنا بجد همشي واسيبك، وماليش دعوة بيكي، عشان مش كل مرة تصحى متأخر، وأفضل مستنياكي كل دا.سلمى وهي تتصنع الجدية :-
- براحة علينا يا باشا خمس دقايق وأكون عندك، لو مجيتش سيبيني وامشي اتفقنا.هنا في استسلام :-
- هو أنتِ حد يقدر يقولك حاجة دايمًا كده بتثبتيني، يلا خمس دقايق وتكوني قدامي مفهوم...مع السلامة.ابتسمت وأغلقت سلمى وهي تُلملم أشيائها استعدادًا للرحيل، فتلك هي صديقتها المحببة، والأقرب إلى قلبها، فهي صديقتها منذ نعومة أظافرها و والديهما صديقان أيضًا، وكيف لها ألّا تبتسم وتلك الفتاة هي القادرة على اسعادها، ورسم البسمة على وجهها الرقيق الذي بالرغم من بشاشته تجد سحابةً من الحزن تملأ عينيها العسليتين، حزن عميق دفنه الماضي بذكرياته الأليمة، وآه من الماضي وآلامه التي لا تنتهي وتلاحقها باستمرار، وكيف لبشرٍ أن ينسى أمه التي جاءت به إلى هذه الدنيا؟ لتتركها وترحل هي إلى خالقها، وتترك تلك المسكينة تُصارع الحياة، وتُكابد فيها دون عطف، أو حنان يدفعها لتُكمل تلك الحياة البائسة، ولكن الله هو الرحيم بعباده، نعم أخذ منها أمها ولكن أهداها أبًا حنونًا يُحبها، ويرعاها، يحنو عليها؛ فكان لها الأب، والأم، وكانت هبة الله لها تلك الأم التي عوضتها عن أمها الحقيقة والدة هنا، كانت بمثابة أمها، وكانت تتولى مسؤوليتها وكأنّها أبنتها التي أنجبتها، لم تُشعرها بأي فرق بينها وبين هنا، فتربّت معها على نفسِ العادات، والتقاليد، والقواعد الدينية، والأخلاقية، فكانت هنا شريكتها في جميع مراحل حياتها حتى صارتا فتاتين يافعتين، ودخلتا سويًا كلية الهندسة وها هما في السنةِ الأخيرة.
أنت تقرأ
التقيتُ بقدري
Short Storyفي بعضِ الأحيان نلقى مَن نُحب صدفة، لكنّنا لم نكُن نعلم أن أقدارنا تقاطعت منذ زمن، وأنّ للّٰه حكمة في أن يجمعنا صُدفة دون علم منّا بذلك الحُب الذي سينبُت بين جنباتِ قلوبنا مستقبلًا كنبتةٍ غضّة تحتاجُ إلى مَن يرعاها وينهالُ عليها من بحرِ العشقِ ليروي...