" بعض الأخطاء نقع فيها دون أن ننتبه ولا نعلم أنّها ستصبح خطرًا يُهدد حياتنا دائمًا."
وصل سيف متأخرًا على غير عادته، أوقف السيارة أمام الجامعة، وظلّ يحدّق في كل مكان حوله، علّه يلمحها، لكنّها لم تكن موجودة فاضطر إلى النزول؛ ليبحث عنها، بدأ القلق يتسرّب إلى قلبه، وتسللت بعض الخواطر السيئة إلى عقله، هل تأخّر عليها كثيرًا فعادت دون أن تنتظره؟ أم أنّها قد أصابها مكروه؟ هل حدث معها مشكلة؟ أخذ يُتمتم بالدعاء حتى يجدها بخير، ابتسم فجأة وهو يبحث عنها في المقهى ويتخيل أنّها ستغضب عليه لتأخّره، تُرى هل كانت تفكّر به وتقلق عليه هي الأخرى؟ هل خافت عليه عندما تأخّر؟ لكن تلك الأفكار لم تدم طويلًا، لقد كان أحمقًا ما هذا الذي تفكّر به يا سيف؟ لقد نسيت نفسك حقًا، تلاشت تلك الخواطر عندما وجدها تجلس مع ذلك الشاب الذي يراه للمرةِ الأولى، يشعر أنّه يعرف تلك الملامح، لكنه لا يتذكر جيدًا أين رآها من قبل؟ شعر بغصةٍ في حلقِه، تواثبت دقّات قلبه بسرعةٍ شديدة وظلّت تُقرع كالطبول عندما اقترب منهم واستمع إلى الحديث دون قصد، ابتلع تلك المرارة التي علقت في جوفه، وتنهّد بأسى، عاد أدراجه إلى داخل السيارة قبل أن يسمع جوابها على ذلك الشخص الذي صرّح إليها بحبه للتو، ماذا ظننت نفسك يا سيف؟ لِمَ كل هذا الغضب ألم تقل لها أنها أختك ولم تتحدث معها ولو لمرةٍ واحدة، أو تُلّمح لها عن ذلك الشيء الذي بدأ يتحرك بداخلك اتجاهها، ظلّ الخصمان يتحاربان فهذا هو حال القلب والعقل دائمًا، وننتظر نحن تلك العاصفة أن تهدأ، ولكن هيهات، هل نستطيع إيقافها وقد أعلن كلٌ منهما تمرده على الآخر؟ آه من تلك الأمور التي تنهك أرواحنا، أخذ يضرب المقود بقبضة يديه وهو يلعن نفسه، لِمَ استمع إلى كلام والدايه وذهب إلى والدها، كان لابُدّ أن يتحدث معها أولًا، أصبح في موقفٍ لا يُحسد عليه.
ذهبت باتجاه السيارة ساهمة، علامات الدهشة مازالت جليّة على قسماتها، جلست في المقعد الخلفيّ كعادتها، ألقت عليه التحيّة في وجوم، تعجبت من حالته تلك التي لم تره عليها من قبل، طول الوقت يزفر بضيق، ويضرب على المقود بعصبيةٍ شديدةٍ لم ينجح في إخفائها، لم تنبس بحرفٍ واحد فهي اليوم غير قادرة على الجدال وكذلك حاله الذي تبينته من عصبيته الشديدة، آثرت أن تجلس هادئة دون أن تتحدث، فظلّت صامتة، ساكنة كما لم تكن من قبل، تفكر فيما حدث معها منذ قليل، وفضّل هو الآخر أن ينشغل بالقيادة حتى تبتعد تلك الأفكار عنه، وحمد الله على صمتها فهو الآخر ليس له القدرة على الحديث، ويخشى أن يُفضح أمامها.
طرق والدها باب غرفتها، سمحت له بالدخول وهي تشعر بالتوتر، فظلّت حبيسة غرفتها منذ أمس، ولم تذهب للكلية متعللة بالتعبِ والإرهاق، تخشى لقاء والدها فيثبرُ أغوار عقلها، ويكتشف ما يعتمل بداخله، لا تعلم هل تخبره بموضوع شادي وحبه لها، أم تصمت، وتغلق ذلك الموضوع وتطوي تلك الصفحة تمامًا كأنها لم تكن، وتبتعد عن ذلك الشاب قدر الإمكان، فهذا هو آخر ترم في الجامعة، تنهّدت تنهيدةً حارة علّها تخرج تلك الأفكار الملتهبة التي تنهش عقلها وتشاركها مع أحد، فهي لا تستطيع محادثة هنا أيضًا نظرًا لمرضها، دخل والدها الغرفة، وجلس بجانبها على طرفِ الفراش، أمسك يديها الصغيرتين بين كفيه، ونظر إليها بحنو:-
- مالك، شكلك مش عاجبني خالص.
أنت تقرأ
التقيتُ بقدري
Short Storyفي بعضِ الأحيان نلقى مَن نُحب صدفة، لكنّنا لم نكُن نعلم أن أقدارنا تقاطعت منذ زمن، وأنّ للّٰه حكمة في أن يجمعنا صُدفة دون علم منّا بذلك الحُب الذي سينبُت بين جنباتِ قلوبنا مستقبلًا كنبتةٍ غضّة تحتاجُ إلى مَن يرعاها وينهالُ عليها من بحرِ العشقِ ليروي...