"إذا تقاطعت الأقدار فلا مجال للعودةِ فاللقاء حتميّ لا مُحال، وأنا وأنتِ تقاطعت أقدارنا منذ زمن فأصبحتُ مُقيدًا بأغلالِ حُبّك، وأصبحتِ مُتيّمة بسحرِ عيناي."
هبطت الدرج وهي ترتدي فستانًا أبيضًا مرصّع بالكريستال الفضيّ، وخمارًا بلون الحليبِ يعكس جمالها الأخّاذ، وسحر عينيها التي تشبه القهوة بمذاقها المر رغم تلذذنا بطعمها، لايزال يقبع ذلك الحزن العميق بداخلهما، كانت تتأبط ذراع أبيها وعندما وصلا إلى مكان سيف الذي وقف ساكنًا مشدوهًا بجمالها رغم عدم وضعها لأيٍ من مساحيق التجميل، سارت إلى جانبه ومازالت تتأبط ذراع أبيها حتى وصلا إلى المنصة الجالس عليها المأذون، ليتم عقد القران والخطبة معًا كما اتفق سيف مع أبيها، فهو لا يريد أن يتركها وحيدة، فيشعر بدنو أجله، وهو في نهاية الأمر أب يخشى على أبنته من الدنيا ومصائبها التي لا تنتهي، ويرى أنّها لازالت صغيرة بعد، ويريد تركها مع أحدٍ يستطيع أن يحمل معها همومها، ويعبر بها إلى شاطئ المحبة، وترسو سفينة عشقهم بأمان، تم عقد قرانها على ذلك الشخص الجالس بجانبها، لو كان ذلك قبل اسبوعًا واحدًا لما كان هذا حالها، ولكنه القدر، فماذا تفعل؟ ترسم ابتسامة قسرًا على وجهها، عيناها ذائغتان، يداها مرتعشتان تخشى أن يحدث ما لا يُحمد عقباه، تدعو الله أن يمر هذا اليوم على خير، ظلّت صامتة، توزّع ابتسامة مجهدة على المحيطين، ظلّت شاردة، هادئة على غير عادتها في مثل هذه المواقف، ولم تفق إلّا على صوتِ الشيخ وهو يقول :" بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير" هنا علمت أنّها أصبحت أسيرة مملكته، حبيسة بين جدران قلبه هو كذلك بالنسبه لها، لكن هيهات لا تستطيع البوح، فترى نفسها مذنبة، لا تستحقه، وما وافقت إلّا خوفًا على صحةِ والدها، تعلم علم اليقين أنّها الآن وبكامل ارادتها قد وقّعت على إنهاء حياتها السابقة، وخلّفتها ورائها بكل ما تحمله من خيرٍ، وشر، فرحٍ، وحزن؛ لتبدأ صفحةً جديدة من حياتها، لكن هل ستلاحقها أفعالها الماضية؟ وتلك المكيدة التي وقعت فيها عن غير قصد، لا تعرف ماذا سيحدث بعد؟ وهل يعلم الغيب إلّا الله؟ سرت قشعريرة في جسدها عندما أحّست بأنفاسه الدافئة تلفح وجهها وهو يقترب منها؛ ليضمها ضمةً حانيةً تبث لها مدى شوقه لها، وحبه الذي يكنّه في صدره منذ أمد، ولكنها لا تدري عنه شيئًا، وقد أخفاه هو ببراعة، طبع قبلة رقيقة على جبينها وسط تصفيق المحيطين منهم المحبين والحاقدين، أمسك بيديها وركع أمامها وهو يخرج من جيب حُلّته السوداء تلك العلبة القطنية القطيفة الزرقاء ويفتحها؛ ليلبسها خاتم الزواج، وأصبحت هي كقطعةٍ ورديّة من غزل البنات تكاد تسقط من شدة خجلها، ومن دقات قلبها التي بدأت تتواثب، وتقرع كالطبولِ، لكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فجأة وجدت الصمت يعم المكان، إلا من صوت همهمات بعضهم، نظرت خلفها لترى نظرات الدهشة التي تملأ وجوههم، وجهت بصرها إلى الشاشة التي ينظرون إليها في صدمة؛ فوجدت ما لا يُحمد عقباه، أنها صورة كبيرة لها ولذلك الدنئ الذي يُدعى شادي، تُعرض أمامها على شاشات العرض وينظر إليها الجميع في فضول، تأرجحت في مكانها وكادت تسقط لولا ذراع سيف الذي أمسك بها وهو يحدق فيها لا يستوعب ما يحدث، الجميع ينتظر تفسيرًا لما يحدث، وضعت كفيها على وجهها، واجهشت في البكاء، وهرولت إلى الأعلى تتخفّى من تلك النظرات المتلصصة، ومن تلك الهمهمات التي تفتك بها، وتؤذي روحها، الجميع يتحدث كما يحلو له ولا يعلمون عن الحقيقةِ أي شيء، يالها من طبيعةٍ مقرفة يتصّفون بها البشر دائمًا، تبًا لتلك الأقاويل التي يتداولونها دون أن يعرفوا الأسباب الحقيقية، هل ستستطيع الخروج بين الناس بعد اليوم؟ لم تريد حدوث هذا لسيف ولأبيها ولكنّها وقعت في شباك ذلك اللعين هي الأخرى، ولم تكن تعرف نواياه الخبيثة، انتهى الحفل بذلك الخبر الذي انتشر أن ابنة اللواء كانت على علاقة بأحدِ الشباب قبل تزوجها من الضابط، هكذا هم البشر ينتظرون أي خبر ليتدَاولونه بينهم، كعلكة يلكّونها في أفواههم حتى يجدون علكة آخرى تجذب انتباههم.
أنت تقرأ
التقيتُ بقدري
Storie breviفي بعضِ الأحيان نلقى مَن نُحب صدفة، لكنّنا لم نكُن نعلم أن أقدارنا تقاطعت منذ زمن، وأنّ للّٰه حكمة في أن يجمعنا صُدفة دون علم منّا بذلك الحُب الذي سينبُت بين جنباتِ قلوبنا مستقبلًا كنبتةٍ غضّة تحتاجُ إلى مَن يرعاها وينهالُ عليها من بحرِ العشقِ ليروي...