الفصل الثالث

377 35 20
                                    

جلست في مقهى الجامعة وهي تمسك بأحدِ الكتب تنظر إليه، ولكنّها لم تعي أي كلمة، فمنذ ذلك الشجار بينهما لم يتحدث إليها ابدًا سوى ببعضِ الكلماتِ المقتضبة، حتى أنّه يتعامل معها برسميةٍ شديدةٍ، وهي لم تحب ذلك، تأففت من نفسها ومن تصرفاتها الحمقاء، فهي حقًا لا تعرف ماذا تريد؟ لِمَ هي غاضبة الآن لأنّه لا يتحدث معها؟ رغم أنها من أرادت ذلك، ترى هل اعتادت عليه وعلى تلك الشّجارات المستمرة بينهما؟ أم لأنّها قست عليه في حديثها، واحرجته كثيرًا، لابُدّ أن تعتذر منه، هذا هو الحل الأمثل؛ لأنّها لم تحب هذا الوضع أبدًا.

كان شادي يُراقبها من بعيد وهو يبتسم، فلقد تذكّر كيف أوقعها في فخهِ عندما قابلها أول مرة.

"فلاش باك"

كوّر قبضة يده وهو يجزّ على أسنانه:-
- أن كان نفد منها المرة اللي فاتت والرصاصة  مخلصتش عليه، فأكيد بنته هي اللي هتخليه يرجع عن اللي بيعمله دا.

بعد أن أنهى الرجل كلماته غمز له بطرف عينه  :-
- دا أنسب وقت، لسة فاضل شوية والظَابط يوصل.

ثم أردف وهو يبتعد :
- على تواصل بقى، ربنا معاك يا بطل.

عدّل شادي من ملابسه، ثم سار باتجاة سلمى، فصدمها، فاختل توازنها، كادت تسقط لولا أنّها استندت إلى الجدار خلفها، فوقعت الكتب التي بيديها وكذلك حقيبتها.

عقدت ما بين حاجبيها، وعضّت على شفتها السفلى، و صاحت بغضبٍ وهي تحاول أن تُلملم أشيائها التي تبعثرت:-
- مش تخلى بالك، إيه أتوبيس ماشي.

- أنا، أنا آسف جدًا، بجد مكنش قصدي، غصب عني.

تفوّه بهذه الكلمات وهو ينحني؛ كي يساعدها في جمع أشيائها التي تبعثرت، ثم أردف :-
- ميصحش حضرتك توطي كده، أنا هلِمهم، أنا اللي  وقعتهم، وانا هلِمهم.

- شكرا مفيش داعي، ممكن تتفضل.

- حاضر همشي، بس لو سمحتي اقبلي اعتذاري، بجد مكنتش أقصد.

اعتدلت سلمى واقفة بعد أن جمعّت أشيائها، ثم أردفت وهي تُعيد هِندامها :-
- خلاص مفيش مشكلة، حصل خير، بس ياريت بعد كده تاخد بالك لو سمحت.

حكَّ رأسه وهو ينظر إلى الأرض في حرج :-
- عندك حق، بعد كدة هركز كويس وانا ماشي.

ثم أردف وهو ينظر إليها :-
- اهم حاجة دلوقتي حضرتك كويسة، محَصلكيش حاجة.

قالت بهدوءٍ يتنافى مع عاصفة الغضبِ بداخلها وهي تهم بالانصراف :-
- الحمد لله، جت سليمة المرادي.

اعترض طريقها فنظرت إليه بحدة، وكادت تتحدث، ولكنه أردف سريعًا وهو يمد يده بالهاتف:-
- الموبايل.

تغيرت ملامحها من الحدة إلى اللين وهي تلتقط الهاتف:-
- شكرًا جدًا.

أفسح لها الطريق لتمر وهو يبتسم بخبث، وينظر إلى يده التي بها مفاتيحها التى سقطت منها ولم تنتبه لها، فلقد أصاب أول هدف وقريبًا جدًا سيصلُ إلى مبتغاه.

التقيتُ بقدريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن