✧✧✧أميرة الظلام
في ذلك الميتم القديم والبعيد عن القرية، العديد من الأطفال يلعبون بتلك الفسحة الصغيرة، يغنُّون ويرقصون بدون تفكير يرهقهم ولا مشاكل تؤرقهم، لكن واحدة منهم كانت تجلس بعيداً عن الجميع، تشاهد بأعين لامعة ملأها الحقد.
الطفلة روز ذات الأربع سنوات، بشعرها الأبيض الناعم وعينيها السوداء الفاحمة التي ناقضته كانت منبوذة من جميع الأطفال، لأنها قليلة الكلام ومزاجها حاد في أغلب الأحيان رغم صغر سنِّها، فزادها ذلك إنطوائية.
تقدَّمت منها تلك السيدة التي بدأت معالم التقدُّم في السِّن تظهر عليها، فالشَّيب بدأ يزحف على شعرها الأسود والتجاعيد أحاطت بعينيها الزرقاء الجميلة " روز حبيبتي، لماذا تجلسين لوحدكِِ هنا ولا تشاركين البقية في لعبهم؟" قالت وهي تأخذ مكانًا بجانبها لتضع يدها فوق شعر الصغيرة وتُربِّت عليه بحنان.
نطقت بصوت متهدِّج لتقول" إنهم لا يحبونني"
إزداد العبوس على محياها لترفع تلك السيدة يديها نحو وجهها الصغير ترفعه نحوها" لا يا حبيبتي، لا تقولي هذا مجددًا، كلكم إخوة ونشأتم معًا" لكن حديثها لم يقنع روز، لأن عقلها كان أكبر بكثير بالنسبة لفتاة بعمرها.
تراقصت أغصان الأشجار التي تحاوط الميتم على لحن الرِّياح وإختفى القمر بين السحب الكثيفة، جلس الأطفال حول تلك الطاولة الكبيرة يتناولون طعامهم ويتبادلون أطراف الحديث عدى روز التي تسكن آخر كرسي بصمت.
حملت ملعقتها لتتناول أول لقمة من طعامها لكن ما رأته جعلها ترميها بعيدًا صارخة لتلفت نظر الجميع لها، ثم ركضت بعيداً عنهم قاصدة الحمام موصدة الباب خلفها.
هرعت خلفها السيدة إيزا وبعض من الرُّعب بدأ ينهش دواخلها، طرقت بخفة على باب الحمام لكي لا تخيف الصغيرة ونطقت بصوت حاولت جعله ثابتاً قدر الإمكان" روز حبيبتي، إفتحي الباب".
لكنها سمعت بكاء الأخرى من خلفة والذي إحتدَّ أكثر " لا..لا أريد" أجابتها متلعثمة لتقضم الأخرى باطن شفتها.
سمعت بعض الضجَّة خلفها لتلتفت إلى الأطفال الذين يسترقون النظر بفضول، مشت نحوهم لتقول بإبتسامة" هيَّا إلى النوم يا صغاري، لقد تأخر الوقت"
تأفَّف بعضهم بضجر وتمتم آخرون بغير رضى وهم يصعدون الدرج المؤدي إلى الأعلى نحو غرفهم، وإستدارت هي عائدة إليها لتخرج زفيرًا طويلاً" روز إفتحي الباب، لقد غادر الجميع للنوم".
أنت تقرأ
إيكونا.
Non-Fictionعندما تصبح الصورة عالمًا، والكلمة موطنًا والخيال منزلاً... لنجعل من الصورة الصامتة كلمةً نفرش بها بساط مشاعرنا وسمائها هو خيالنا بأشعةٍ ذهبيةٍ تخلقها أناملنا مع كل سطرٍ وكلمة.